الجديد

خليفة بن سالم يكتب عن “البريكس” ومحاولات الانعتاق من هيمنة “القطب الواحد”

خليفة بن سالم

انطلقت اليوم الثلاثاء بمدينة قازان الروسية “قمة البريكس” أوما يمكن إن نطلق عليه “مسارات في اتجاه عالم متعدد الاقطاب”، وتأتي هذه القمة بحضور أكثر من 20 من قادة دول بارزة في ساحة الدولية الراهنة، في لحظة إختبار لسياسات غريبة  تريد تثبيت هيمنتها، و زعامتها للعالم، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،  التي عملت بالليل و النهار، ومنذ اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية، على عزل روسيا بوتين عن العالم ، وهذا ما يفسر السرعة الكبيرة في استصدار قرار الجنائية الدولية ضد بوتين.

عموما لا قرار الجنائية الدولة نفذ ولا سياسات الحصار المالي افلست روسيا ولا الدعم السخي لحكومة زيلنسكي مكنه من تحقيق نصر عسكري، وهكذا هي الحروب العبرة فيها بالنتائج.

في الأثناء صارت أوروبا اوروبا الى ازمة اقتصادية، اثرت أيما تأثير على مستوى معيشة شعوبها، وبخاصة فرنسا وايطاليا ولاحقا ألمانيا، كما صار ت القارة العجوز تضيق ذرعا من “التعليمات الامريكية”، التي تفرض الوقوف الى جانب زيلنسكي، فيما تدرك اوروبا إن العلاقة مع روسيا هي اهم بكثير من العلاقة مع “مغامر كييف”، ولكنها الهيمنة الامريكية.

على إن السؤال البارز هو: لماذا فشل الغرب واساسا “القطب الواحد” في استمرار الهيمنة على العالم ؟ وما ذا يحدث في المقابل من مساعي فعلية تبشر بظهور عالم جديد واي نوع و من العالم هذا؟

اولا ، هو منطق التاريخ، ليس لهيمنة امبراطورية أو امبرالية، تقوم أساسا على السيطرة وبسط النفوذ ونهب الثروات إن نستمر، الى ما لا نهاية وبمنطق الزمن ماتزال الهيمنة الامريكية دون ما تمكنت منه امبراطوريات سابقة في التاريخ، وثانيا تمكن الطور الامبريالي الامريكي من النظرية العلمية فمكنته من اسباب التوحش.

على أن التناقض الصارخ لسياسات الغرب، بين رفع شعارات الحرية والديمقراطية، وسلك سياسات داعمة لاسرائيل و مشرعنة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، و مواصلة في نهج سياسات ابتزاز الحكومات العالم ثالث لنهب الثروات.

و المعطى الآخر المهم والذي في اعتقادي سيكون منطلق يسرع بأفول الهيمنة الغربية، هو تنامي الوعي المواطني الانسانوي عند المواطن الغربي، و بداية يقظته لجرائم ترتكب في العالم باسمه، من قبل حكومات انتخبها.

وهذا الوعي هو نفسه نتيجة انفتاح ما بعد الهيمنة، اذ صارت الانسانية أكثر قربا من بعضها فيما التوحش الذي تعبر عنه حكومات العالم وجيوشها دافعا أكثر نحو الحروب والتصادم.

ولعل الجانب المبشر ببداية افول الهيمنة الغربية ، هو الجوع والفقر والتشرد الذي دفع شعوب الجنوب للزحف نحو الشمال، في عملية التحاق بثرواتهم المنهوبة، والتي تم تحويلها للشمال، وان الهجرات غير النظامية قد تكون مصدر الحروب المستقبلية. على إن السؤال: لماذا يهاجر كل فقراء العالم زحفا افواجا افواجا نحو اوروبا وامريكا ولا يختارون غيرهم ؟

قد يقول قائل لأنها دول مرفهة ، وقد يقول اخر لأن بها مناخات الحرية والديمقراطية، ولكن الحقيقة ليست كذلك ابدا ، فدول كفرنسا أو ايطاليا أو اسبانيا أو ألمانيا أو حتى أمريكا، هي أكثر الدول والمجتمعات عنصرية، ولكنهم يتناسون وهم يجادلون موضوع الهجرة الغير نظامية، إن تلك الدول هي من استعمرهم سابقا، وهي من ركزت حكوماتهم لاحقا، وهي من استعملت اباؤهم لقتال النازية ثم ابناءهم لبناء اوروبا ما بعد الحرب .

وفي المقابل ليس ثمة دين لهذه الشعوب عند روسيا أو الصين او الهند أو البرازيل وحتى دول الخليج ، لأن الاستقلال لم يمحو العداوة فمن كان مستعمرا لم يقع تعويضه أو الاعتذار له، ومن كان يستعمر قبل بالاستقلال وتخلى عن الرغبة في الوصاية على إن موازين القوى ظلت الى اليوم غير متكافأة.

وهو ما يفسر – وبمجرد انهيار حائط برلين – عادت الهيمنة الغربية، وفي أبشع صورها، وهو ما يفسر اليوم رغبة معظم دول العالم، في نجاح “تجمع البريكس” وغيره، فقط للخروج من الهيمنة الغربية.

بل امم كثيرة اليوم وقياداتها، تقدر بأن الفرصة اصبحت مواتية للتخلص من هكذا هيمنة، سواء كانت عسكرية يقودها الحلف الأطلسي، أو مالية تقودها  مؤسسات مالية مرتبطة بالهيمنة الغربية، على  غرار صندوق النقد الدولي و البنك الدولي.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP