خليفة بن سالم يكتب عن: الهجرة الغير نظامية و لعبة الأمم الجيوسياسية !
خليفة بن سالم
يتزامن الحديث عن مستقبل التعاطي أوروبيا ودوليا، مع ظاهرة الهجرة الغير نظامية أو كما يحلو للبعض تسميتها، زحف الجنوب نحو الشمال، على أن الهاجس القديم المتجدد في غرب أوروبا اليوم، لم يكن بمعزل عن تطورات الصراع الدائر في العالم، بين القوى الكبرى حول الطاقة بمفهوميها القديم والجديد، وحرب التموقع الجيو الاستراتيجي(عسكر واتصالات و مال)
افريقيا، قارة خارج السيطرة
ماذا يحدث داخل القارة ومع القارة الإفريقية ؟ التي ظلت لعقود وعقود تحت السيطرة والهيمنة الغربية بالكامل، وهي مجال لاحتياطي التصرف في الطاقة والذهب والاورنيوم والنفط وغيرها مما جادت به الطبيعة، على أن شعوبها لم تتمكن حتى من التمتع بعشر ما ينهب منها، بخلاف البلاد العربية التي تمكنت بفضل الطفرة النفطية، من أن تحسن مستوى عيش شعوبها.
ولكن ومنذ تقريبا انهيار منظومات “الحكم التقليدية”، في شمال القارة بنهاية حكم بن علي والقذافي وبوتفليقة ومبارك والبشير في السودان، فإن دول جنوب الصحراء و ايضا دول شمال القارة، تغيرت توجهاتها وانقلبت المعادلات داخلها تماما وصار شعار (ديقاج فرنسا)هو الشعار المركزي لقادة الانقلابات أو الانتخابات.
وهذا لم يكن يجري بمعزل عن مسألتين : تتصل الأولى بتخبط أوروبا في تداعيات المراهنة على زلنسكي في اوكرانيا وانهاء تجبر بوتين طاقيا وعسكريا، ولكن مراهنة الغرب هذه باءت بالفشل، بل فاقمت على الغرب والعالم أزمة الغذاء والطاقة. أما المشكل الثاني فإنه يتمثل في كون انهيار نظام القذافي وغياب الاستقرار الأمني الشامل في ليبيا والسودان، مثل أعظم فرصة للآلاف من فقراء القارة ومن المشردين من الحروب، الانطلاق برا وبحرا نحو أوروبا (أوروبا الضعيفة المتخوفة على قوتها وعلى أمنها وعلى نسلها وهذا ما يفسر الهلع اليميني ).
نظرية المؤامرة وأوكرانيا في نجدة الغرب
يبدو أننا لسنا وحدنا نفكر بأن مؤامرة تحاك في مكان ما ضدنا، فحتى الغرب يفكر كذلك وبدل مجابهة ما خلفه ولازال من جرائم في القارة السمراء نهبا لثرواتها وتدميرا لكياناتها، صار يعتبر أن روسيا و المتواجدة في القارة طبعا، وراء تدمير الاستقرار داخل افريقيا، مما شجع على الهجرة لتهديد اوروبا من جنوبها، في مسعى لتكوين راي ضد الحضور الروسي في القارة، وهذا ما يفسر دعوة مفتي ليبيا بحسب ما وقع تناقله من قبل وسائل إعلام إلى “شرعنة” مقاومة الوجود الروسي في شرق ليبيا.
وهو ما يدفع للتساؤل: لما لا توجد هكذا دعوة ضد التواجد التركي أو الأمريكي ؟ بل حتى اوكرانيا لم تعرف في السابق كل هذه الحركية الديبلوماسية تجاه افريقيا بمثل ما تعرفه الان وطوال تاريخها، إذ تعتزم تعزيز بعثاتها الدبلوماسية لتبلغ عشرة اذ بعد غانا ستكون رواندا وموزمبيق بوتسوانا في انتظار البقية.
وهنا يطرح السؤال : اوكرانيا البعيدة جغرافيا عن القارة، وحتى على مستوى تعاملاتها البينية، تريد أن تجعل منها محطة في حربها ضد روسيا، و محطة لضرب أي محاولة لتنضم دول الجنوب أو البريكس أو اي تكتل يعمل على الحد من هيمنة الغرب.
وإذ تحدثنا عن محاولات اوروبا الإفلات من المسؤولية عن هجرة المفقرين، و محاولات اوكرانيا تدويل أزمتها مع روسيا، بما في ذلك محاولات التمكن الدعائي و تطوير الشراكة الاقتصادية مع افريقيا، فإن السؤال المطروح علينا دول شمال القارة ونحن نحمل مسؤولية ما يحدث داخل شواطئنا بفعل الهجرة: ألم يكن ومازال أن نطور حضورنا داخل القارة من أجل موقف قاري موحد ؟ وألم يكن بإمكاننا توظيف الخوف الكبير للغرب من روسيا في افريقيا وفي اوكرانيا بفرض التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب؟
وذلك عبر تنويع الشراكات وحتى لا نكون تحت الوصاية الغربية الدائمة، إذ من المفيد فرض شعار الندية في العلاقات البينية، وان جغرافيتنا تتوسط العالم، وبالتالي نحن على نفس المسافة بين روسيا وامريكا، وأن تنويع الشراكات وتجديد المقاربات مسألة تفرضها المستجدات الدولية اليوم، ولمن يريد التأكد يتأمل جيدا منجز 7اكتوبر الفلسطيني.
Comments