خليفة بن سالم يكتب عن: رحيل هنري كيسنجر .. ديبلوماسي القرن !
خليفة بن سالم
تقاعد وهو يزهو بنهاية الحرب الباردة ،مات و هو يشهد عودة الحرب الباردة، يمكن بمثل هذه العبارات، أن نعلق على وفاة هنري كيسنجر، ومن لا يعرف هذه الشخصية، غير مطالب اصلا بمتابعة ما حدث ويحدث في العالم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، و دخول العالم مرحلة توازن الرعب، و زمن الحرب الباردة.
اما عربيا، فهي تختزل في جملة بسيطة: كسب العرب حرب أكتوبر عسكريا وخسروها دبلوماسيا، وعلى مستوى النتائج، لكن التاريخ لم يقف عند هذه التفاصيل، فالعالم فعلا بعد الحرب العالمية الثانية، دخل في حرب باردة، ولكنها لم تكن إلى مالا نهاية، إذ انتهت بانهيار جدار برلين.
والذي اعتبره بعض المحللين في الغرب، اعلان استسلام الاتحاد السوفيتي، وخلف كل هذا سياسات وقوة واقتصاد وحروب هنا وهناك وخلف خلف ذلك “عباقرة” في اتخاذ القرارات وصنع المناورات وصياغة المبادرات وإيجاد المخارج.
ومن بين هؤلاء هنري كيسنجر، مستشار الأمن ألقومي الأمريكي ووزير خارجيتها في أكثر من مناسبة، رجلا ليس من المتاح ان يتوج بأحد ألقاب بوتين فقال عنه “سعدت بلقاء رجل استثنائي”، ومختصر الحديث عاش” يطوع” ديبلوماسيا الحرب الباردة وتداعياتها، على السلم والامن العالميين، بما يخدم مصالح أمريكا، إلى أن انتهت بنهاية “التاريخ “كما قال فوكوياما .
وبسطت أمريكا يدها على العالم، وضعية عاشتها الإنسانية منذ أن أعلن الاتحاد السوفيتي الخروج من أفغانستان، ثم كان ما كان مع غورباتشوف بعرضه لمشروعه “الغلاسنوست /إعادة البناء “اي البيروسترويكا ، و انهيار جدار برلين.
ودخلت روسيا ودويلات الاتحاد السوفيتي الفوضى “الخلاقة”، و في المقابل العرب على سبيل الذكر ليسوا احسن وضعا من بقية العالم، فبعد شعارات النصر والانتصار وبعد فلسفة التسليح والاستعداد للمعركة الكبرى، بدأت عملية سياسية جديدة عنوانها مسار التطبيع.
فيما عرفت دول طموحة بثوراتها اليسارية خيبات وخيبات كالشيكي، و اغتيال تشي غفارا ولومونبا ، والازمة الكورية ، وفي كل هذه المحطات كان كيسنجر حاضرا بكيفية و بأخرى، لا بل عند آخر محطات هذه الرحلة عندما اقرت أمريكا “حرب النجوم “مع ريغن .
على أن ما ميز خطوات هذا الدبلوماسي الملقب بالثعب، هو واقعيته مع القوي و مكره عند الوضعيات الصعبة، وكمثال مع مصر زمن السادات، و الغدر في الوضعيات البعيدة، عن التأثير والمتابعة .
وكمثال ما حدث مع السلفادور اللندي في الشيلي إذ اتهمت كيسنجر انه كان وراء ما حدث ل اللندي في قصره …
مكر التاريخ يهرم الرجل ويتخذ موقعا اخر وهو إدارة النصح والتوجيه على أن أحلامه ببسط نفوذ أمريكي لا نهائي في الزمن متلازم مع استقرار دائم لإسرائيل عاشه ولكنه عايشه وهو في طريقه لتوديع الحياة و بداية انهيار هذا البناء ..فكيف ذلك ؟
ان المسألة لا تتطلب اجتهاد في الفهم، فالحرب الباردة عادت هذه المرة بنفس اللاعب، روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، منذ أن سلم يلتسين مقاليد إدارة البلاد الى شاب وقتها يدعى فلاديمير بوتين ، وان كان كذلك فهو قادم من مخلفات الحرب الباردة، باعتباره ابن الجهاز الاستخباراتي الشهير – الكاجيبي – احد أسلحة الحرب الباردة اللافتة.
وبسرعة فائقة استطاع بوتين إرجاع روسيا إلى الواجهة، ولكنه لم يكتف بذلك بل أحيا نزعات وايقظ ميولات/ وحرر بعض الارادات السياسية في العالم، كانت ترغب في التمرد على الهيمنة الأمريكية والغربية ، كما هو الشأن في أمريكا اللاتينية والجنوبية، وبعض دول أفريقيا وآسيا.
وفي قراءة استباقية على طريقة كيسنجر دفعت أمريكا بزلنسكي اوكرانيا ليفرض على روسيا الحرب، او ان تقبل بإهانة الاستفزاز، فمانت الحرب و المواجهة، هذه الحرب ارجعت الحرب الباردة، بحكم تداعياتها على الطاقة والغذاء في العالم، وفرضت على معظم دول العالم الاصطفاف ،ولئن نجحت ماكينة عصر الإعلام التقليدي و العصري الافتراضي، في إدانة روسيا وكسب التعاطف مع اوكرانيا، فإن طول نفس روسيا و تخبط الغرب في حسم المعركة عسكريا، و صعوبة إيجاد بدائل طاقية، رجح بالوقت الكفة لصالح روسيا/ بوتين.
وتبين ان كل ما قام به الغرب صار بلا جدوى، و انهارت الدعاية والتحشيد الاعلامي، الذي جند له زيلنسكي صحفيين وقنوات، لم تجد آذانا صاغية بل انها فشلت في كسب التعاطف وفي الظهور بملامح المظلومية.
فكانت بداية هزيمة الغرب، وه هذه لم تكن في حسبان السياسات الغربية وأساسا الأمريكي،ة وبان بالكاشف ان مقاربات كيسنجر لم تعد تفي بالغرض فهي كلاسيكية زمن الحروب الكلاسيكية، وخير مثال زاد الطين بلة ، عند الامريكان وأنهى فكرة نهاية التاريخ، ما حدث في غزة عشية “طوفان الاقصى”.
عملية المقاومة الفارقة، التي كشفت أنه لا استقرار في الشرق ولن تنعم إسرائيل بالأمن مادامت معتدية، ولن تفلح محاصرة روسيا ولن يبقى العالم رهين الضغوط الأمريكية، ولن تستمر قوانين اتفاقات “يالطا ” وغيرها سارية.
كشفت أزمة الشرق الأوسط و الحرب في اوكرانيا وانقلابات أفريقيا وجائحة الكورونا و الانحباس الحراري و توسع خارطة الجفاف …. عن أهمية التفكير الجماعي في إيجاد بدائل عن الأمم المتحدة وغيرها، و عن ضرورة ايجاد مؤسسات ومنظمات وهياكل جديدة، تواكب هذا العالم الجديد، و الأهم فرض ما يحدث عن ضرورة أن يخضع الغرب ويلتزم بالتواضع أمام بقية دول العالم و البداية ستكون بمراجعة جذرية لسياساته .
Comments