خليفة بن سالم يكتب عن: فلسطين .. معارك الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد
بقلم: خليفة بن سالم
ماهي مآلات ما يحدث اليوم في فلسطين /غزة؟ هو السؤال الابرز اليوم، ونحن نتابع تطورات الوضع ميدانيا، على الرغم من انه لا يكشف عن جديد ميداني عسكري، إذ هي هكذا تواريخ النضال الفلسطيني، تجاه الاحتلال الاسرائيلي، وملخصه إبداع المقاومة في المباغتة، وفي الكشف عن هشاشة دولة إسرائيل في مواجهة ‘الحق” وقدرة شعب فلسطين على الصمود، في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية، وفي المقابل ظلت العملية من جهة إسرائيل هي ذاتها، تعبث إسرائيل بالقوانين والمواثيق الدولية، دون رادع وفي هذا الباب لا جديد كذلك.
و هذا القياس يظل هو نفسه عند متابعتنا للموقف الغربي، إذ ظل وسيظل على مر التاريخ إلى جانب إسرائيل، وحتى لو تكلم صناع الرأى وبعض النخب وبعض الجمهور إلى جانب الحق الفلسطيني و ضد آلة القتل الهمجي الاسرائيلي، فإن الموقف الرسمي لقادة الغرب سيظل إلى جانب إسرائيل فما المستجد اذن ؟
ربما هو ان “طوفان الاقصى” من ضمن إنجازاته، كونه فرض على “طموح” أمم كثيرة ترغب وتتوق للتمرد على هيمنة القطب الواحد والوصاية الملزمة القهرية كقوة عسكرية، وقوة على مستوى القرارات الدولية، بقيادة الولايات المتحدة دون شريك، منذ نهاية الاتحاد السوفيتي، وانهيار جدار برلين وسقوط توازن الرعب.
ولعل المقاومة الفلسطينية نبهت لإمكانية تدمير الهيمنة الأمريكية، بفرض توازن القوة والرعب ، وتوازن “الحق” بعدما استطاعت روسيا بوتين فتح ثغرة في جدار الهيمنة الأمريكية على العالم، وخاصة على أوربا، كمستعمرة أمريكية تقليدية، من خلال مواجهة نظام زلنسكي في اوكرانيا، والذي يعد قائد عملياتي نيابة عن أمريكا في مواجهة روسيا، وإمكانية تحرير إرادتها السياسية، من الهيمنة الأمريكية ،كمخلف من مخلفات الحرب العالمية وتحت مسوغ مجابهة التوسع الشيوعي الستاليني.
تفرض المقاومة على الآخر ردود أفعاله: صار واضحا ان رد الفعل الاسرائيلي وان يعمل بعض مفسريه على اقناعنا انه رد فعل ممنهج و يدار بخطة و ، فإننا نرى عكس ذلك تماما الارتباك والارتجال والعجز عن تحديد الهدف الممكن إنجازه، هو الذي يفسر همجية العدوان الاسرائيلي على السكان والبلدات، وكل المرافق بأسلوب اقل ما يقال عنه انه همجي.
والمحصلة ان إسرائيل بسلوكها هذا افقدت البلدان العربية أريحية توجهها نحو التطبيع، وافقدتها الثقة في فكرة “التطبيع والسلام “، بل اكثر من ذلك أعادت للذاكرة الشعبية، بفعل النجاح الاتصالي للمقاومة، و ان خيار المقاومة كما هو حاصل الأن في غزة ممكن وناجز، أمام تهاوي نظرية الصمود والتصدي القومية، و اندثار نظرية النضال الأممي اليسارية، وهكذا بمثل ما تمكنت القوة المادية للألة الحربية الإسرائيلية المدعومة لوجستيا أمريكيا، وبغطاء دبلوماسي غربي، من التقتيل والترويع والتدمير، بقدر ما نجح الفلسطينيون في إقناع عالم انهم ضعفاء و منتهكي للحقوق .
فضلا على تأكيدهم – الفلسطنيين – أنهم أصحاب أرض وحق، و بإمكانيات جد بسيطة تمكنوا من فرض قضيتهم وحقهم، و بينوا ان نظرية الاستبطان والتهجير والالغاء لم تعد ممكنة، وان عرب الاحتمالات كبدائل جغرافية عن فلسطين قد تنهار انظمتهم ولن يقبلوا بتهجير الفلسطينيين إلى أراضيهم..
الإعلام: الايهام و التظليل أدوات الحرب عند الغرب منذ القديم
يعبر بعض المحللين والمثقفين هذه الأيام، عن دهشتهم من الإعلام في الغرب، على فرضية ان الغرب فضاء الحريات و الحقيقة والديمقراطية، متناسين ان كل الجملة الاتصالية للنازية هي “إكذب .. إكذب” يصدقك الناس، على انه وليس بالبعيد زمنيا عن ما يحدث اليوم في فلسطين، ما حدث وما قيل في وسائل الاعلام الغربية، عن روسيا عشية المعارك في اوكرانيا.
لقد عمل الإعلام الغربي ومسؤولي الدول على توجيه الرأى العام في الغرب، بل وحتى في الشرق الأوسط وكل العالم ، ضد بوتين لا ظهاره بمظهر مجرم حرب في خطوة لعزل روسيا دوليا، ثم لزعزعة الدولة من الداخل، عبر مغالطة الرأى العام الروسي من الداخل، حدث وقتها نوع من الصدمة لدينا نحن العرب، لأننا خبرنا تصرف الإعلام الغربي مع دولنا ومع الفصائل الفلسطينية، ولكن لم نكن ابدا نتوقع ان يتم كل ذلك التظليل والتوجيه والكذب حتى مع روسيا، ويبقى تفسيرنا الوحيد هو ان الغرب تحت الوصاية الأمريكية، يعامل روسيا شرقا ليس جغرافيا فقط ولا ثقافيا، بل وكذلك ايديولوجيا على الرغم من تخليها عن الشيوعية منذ عقود.
وقياسا على ذلك تنبني نظرية التظليل في الحالة الفلسطينية مع فصائل المقاومة في غزة، فيركز التصنيف الاعلامي على “الإسلامية “بدل “مقاومة “، وهو تكتيك القيادة العسكرية الإسرائيلية تحت الوساطية الأمريكية، تسوق إعلاميا في الغرب حتى تحرم هذه الفصائل من المشاركة في المفاوضات، وإدارة العملية السياسية.
فهم هكذا ، هندسة للمعركة بين قصف المدافع وقصف الإعلام والصورة، يجعلنا نركز اكثر في ما قاله بوتين من ان النخب التي تحكم في فكر من يحكم في أمريكا، هي مصدر ما يحدث في الشرق وفي العالم من أزمات وحروب، وثاني تركيزنا في منهجية المقاومة الفلسطينية في التعامل الرصين غير المتشنج مع رد الفعل الاسرائيلي العنيف و حالة الاستنفار الأمريكية في شرق المتوسط وكأننا على أعتاب حرب عالمية …
على ان حقيقة واحدة تأكدنا منها، لقد اخفوا في العراق حجم القتل والدمار عندما يتعلق الأمر بأفعالهم، واخفوا في اوكرانيا حجم خسائرهم عندما يتعلق الأمر بهزائمهم، ويخفون اليوم همجيتهم في غزة و يخفون عن العالم حقيقة قتلاهم وفشلهم …
ويظل السؤال في نهاية تحليل اسوالد اشبنغلر في مؤلفه انهيار الحضارة الغربية لماذا ظل الانهيار متواصلا؟ و سنعود على ذلك في محاولة قادمة.
Comments