الجديد

رأس سنة أقرع

غازي معلى
نفتتح العام برأسِ السنة. فنطفئ الأضواء و نشعل الشموع فلا أرى سوى ربطات عُنُق دُفِعَت أثمانها من رَبطات خضار الفقير. أرى خونة بمنزلة أبطال وشهداء بمنزلة نِسيان. أرى رِجالاً يتمَكيَجونَ بنونِ النسوة ونساءً بذكورية مزروعة بالهورمون. أرى سيّارات فخمة تقلُّ سيِّدات يذهبنَ مسرِعات الى عِيادات التجميل وهنَّ لا يعرفن لمن يتجملن. أرى طائرات تقلُّ رِجالاً يؤجّلون نهاياتهم بِحِقَن منشِّطات مصنوعة من عرق الكادحين و أجنة المستضعفين .
مِن على رأسِ السنة التي تسلّقتها بعتاد كامِل ، أنزلتُ حقيبتي الملأى بالمسامير التي غرزتها في صخرِ جبلِ رأسِ السنة لأرفعَ رايَةَ البكاء على عصرٍ من الهزائم والجَماجِم. ‎حِبالي أنهكها تسلُّقي. مكوَّمة على رأسِ السنةِ مثل طموحٍ يحتضر. تثاءبتُ قليلاً وأنا على هذه القمة أشاهدُ قعرها. تضاريس من الأيام محروسة بالجيش مدنّسة بالسياسة ومَحميّةٌ ببركات ناس طيبين. ‎رأسُ سنة اقرع .
من لا يُحسِنُ المشيَ على سطحهِ الأملَس ينزَلِق. تكادُ لا ترى على قرعةِ رأسِ السنةِ حجرة تُذكَر.حقل مِن ضباب مزروعٌ بزيتون الوفاء تسقيهِ دموعُ الخيبات المتراكمة. ‎لا مقعد أجلس عليه وأنا على رأس السنة. جلستُ على كذبَة بيضاء. مِن حَولي أقنِعة وطرابيش من مخلَّفات كوتيون رأس سنة منصرمة. لم اجرؤ على التزمير بأيام مستعمَلَة فيما الكل يزمّرُ بأيام جديدة
. ‎فجأةً اعترى رأسَ السنةِ دوخةٌ. فتّشتُ عن أيِّ مسندٍ يجنّبني الوقوع مجدّداً في قعرِ سنةٍ سيئة السُّمعة. تمسّكتُ بِحبلِ اللهِ. ليس المهمُّ أن تبلغَ رأسَ السنةِ. المهمُّ أن تتقنَ القفزَ منه الى كاحِل اليوم الأول من جبلِ السنة الجديدة. سيكونُ عليك أن تكونَ مُواطِناً ساذجاً من جديد.
المُواطن نفسه الذي زمّر ونطنطَ في السنة المنصرمة متمنّياً مصائب مدعومة من السلطة ليتمّ تناولها من دون أعراض جانبية. ‎رأسُ سنة متوجه رأساً الى جدار. رأس سنة ينطحُ أخرى وينطَحُنا ويطحَنُنا ويقلبُنا رأساً على عَقِب. ‎رأسُ سنةٍ برؤوسٍ هيَ هيَ. رؤوس تتكرّر كأسنان مِشطٍ تسرِّحُ شعرَ وطنٍ أصلَع
‎مِن على رأسِ السنةِ راودتني فكرة. القفزُ الى سنةٍ بلا رأس. سنةٌ لا تبادُلَ فيها للأمنياتِ الخرقاء. سنةٌ بلا “رأس السنة”. سنةٌ تتوالى أيامها من دون انتِظارٍ نوضِّبُه في كرتونة ونقذفُ به الى السنة المقبلة. وطنٌ تعبَ من رؤوسِ السنة. لم يجد فيها سنةً يلقي رأسه عليها. فتشتُ أين أقفز فلم أَجِد سنةً تستحقُ أن يحطَّ حزننا الوطني على مدارِجها. كل سنة وأحزاننا بِخَيْر على أمل ان نجدها السنة القادمة في نفس المكان .

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP