"رئاسيات 2019": بين قيس "الغامض" و نبيل "اللغز" لمن ستكون الغلبة ؟
خديجة زروق
اختار الناخبون التونسيون الذين لم يقبلوا بكثافة على مكاتب الاقتراع في الدور الأول للانتخابات الرئاسية التي تمت الأحد 15 سبتمبر 2019 ان يدفعوا قيس سعيد و نبيل القروي الى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية .
هذا الاختيار يعتبر بكل المقاييس منعرجا تاريخيا غير مسبوق لآنه يمثل بداية القطيعة مع النسق السياسي القائم منذ الاستقلال و الذي اعادت مرحلة ما بعد 14 جانفي 2011 انتاج اهم اليات اشتغاله .
لا شك ان قراءة هذا الاختيار تحتاج الى مزيد الانتظار والى مساحات اخرى من التفكير والتدبر . و لكن من المهم التوقف عند اهم ملامح المترشحين اللذان عاشا يوم الاقتراع في ظرف اقل ما يقال عنه انه استثنائي، فقد حال الايقاف في السجن دون نبيل القروي و التصويت، في حين افاد قيس سعيد منذ مدة انه لن يصوت لنفسه .
لا تعتبر هذه النقطة هي الوحيدة التي تجمع الرجلين لان كلاهما انطلق في الاعداد لهذه اللحظة منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات و بطريقتين مختلفتين . فنبيل القروي اعتمد نموذجا تقليديا الى حد ما، اذ وظف قناته التلفزية من اجل التواصل مع المواطنين، و اضاف الى ذلك عملا خيريا ، اثار الكثير من ردود الفعل و لكنه كان مثمرا اذ جعل من نبيل القروي اسما من الاسماء البارزة في المشهد التونسي، لكن بقت صورته تمثل “لغز” لدي الكثير من التونسيين، خصوصا في علاقة بما يقول خصومه أنه مرشح “المافيا”.
و اذا كان نبيل القروي لا يتحرج من اظهار بعض علامات بحبوحة العيش التي ينعم بها فان قيس سعيد اختار طريقا قد تكون له بعض الاحالات اللاواعية الى الحبيب بورقيبة الذي لا يدعي استاذ القانون الدستوري اطلاقا انه من ورثاء فكره .
اختار قيس سعيد الابتعاد عن وسائل الاعلام و عدم الاعتماد على خبراء الاتصال و التسويق و لم يكن سلاحه الا اسلوبه في الكلام و قدرته على الاتصال بالمواطنين حيث كانوا.
مع خطاب يتجه للشباب و خاصة الجامعي منه الذي قد يكون اعتبر قيس سعيد “انتقاما” من طبقة سياسية لم تحسن الاستجابة لتطلعات الشعب و لم تقدر على حل معضلة البطالة التي يعاني منها الشباب.
يعد نبيل القروي ظاهرة اتصالية و شخص ينتعش في المعارك و هو ما لم يفهمه من دفع في اتجاه سجنه في فترة الحملة الانتخابية . محنة السجن زادت في شعبية الرجل الذي اعتبره الكثيرون مظلوما و اخذوا له اليوم ومن خلال التصويت له بثأره المعنوي من يوسف الشاهد .
الفائزان غامضان في ما يتعلق بالمواقف من اهم القضايا و قد يكون هذا الغموض سببا من اسباب التصويت لهما بعد ان سئم الناخبون الوعود و “الوضوح الكاذب” .
الكثيرون يعتبرون في اختيار نبيل القروي و قيس سعيد عودة رمزية الى لحظة 14 جانفي 2011 التي كانت انفتاحا على قطيعة لم تتحقق مع نمط تنموي اتضح فواته و عدم القدرة على تجديده.
اختيار قيس سعيد و نبيل القروي رسالة واضحة للأحزاب السياسية و للمنظومة الحالية بكل مكوناتها بان “ثرثرتها” لم تعد لها قابلية التسويق و ان اقل المترشحين كلاما قد هزما هذه المنظومة و قد راهنا على مظاهر البؤس السائدة في المجتمع التونسي .
“استثمر” نبيل القروي في “البؤس المادي” لقطاعات واسعة من ابناء و بنات الشعب التونسي في حين تفاعل قيس سعيد مع “البؤس الفكري” الذي يتجسد في بعض مظاهر التطرف و رفض الدولة المدنية و جانب كبير من حقوق المرأة فلمن ستكون الغلبة و هل سيتغير خطاب المترشحين؟
Comments