رئاسيات 2019: 20 سؤالا جوهريا لم يطرحها الاعلام على المترشحين كما غابت عن برامجهم !
كتب: عماد بن عبدالله السديري
أتابع عبر وسائل الإعلام التونسية باهتمام شديد ما يصرّح به المترشحون والمترشحات إلى الانتخابات الرئاسية في بلادنا.
وأحاول في كل مرة أشاهد فيها مقابلة تلفزيونية أو أقرأ فيها برنامجا انتخابيا أن أحدد وجهتي الانتخابية التي لا تزال غير مستقرة حتى الآن..
في الواقع، وللأسف الشديد، لم يسعفني شخصيا الإعلام التونسي في تحديد مرشحي لرئاسة تونس.
كما إن البرامج التي كشف عنها معظم المتنافسين تفتقد إلى العمق والدقة، إذ وردت مختصرة وغامضة وغير متكاملة.
فضلا عن أن الأسئلة التي تُطرح في معظم المقابلات الإذاعية أو التلفزية تفتقد إلى الدقة وتتميز بالعموميات أو بسطحية متكررة لا تفيد الناخب التونسي الجاد في أي شيء.. وذات الأمر ينطبق على معظم المتابعين للشأن الانتخابي في بلادنا، إذ يركز الجميع على الجوانب الفضائحية ويتجنبون الخوض في مسائل جوهرية كثيرة.
أسئلة كثيرة كان يُفترض أن تطرح على هؤلاء الذين يتنافسون على حكم تونس أو يعتقدون أنهم مؤهلون لحكم تونس التي تألمت ولاتزال تتألم كثيرا.. أسئلة اقتصادية وتنموية واجتماعية كثيرة وضخمة كان لا بد أن يتم طرحها.. وبعضها أوردها على النحو الآتي:
- تبلغ نسبة الأمية في بلادنا اليوم 21%، أي أنّ حوالي 2 مليون تونسي لا يجيدون مهارات الكتابة والقراءة والحساب في حدها الأدنى.. فكيف يمكن معالجة هذه المأساة الوطنية التي ألحقت الكثير من الأذى بالشعب التونسي؟
لا أحد تحدث عن هذا.. ولا أحد طرح خططا لوقف هذا النزيف المهين للشعب التونسي. بل إن نسبة الأمية تقارب الــ 40% في ولايات مثل القصرين وجندوبة، فكيف تتحقق التنمية بمواطنين مساكين لا يتقنون حتى جدول الضرب..
- تبلغ نسبة البطالة في بلادنا حاليا 15.4%.. وهي نسبة مرتفعة جدا ولها آثار اجتماعية واقتصادية مدمرة على الشعب التونسي. فكيف السبيل إلى خفضها تدريجيا في السنوات القادمة؟ وما هي النسبة التي سيستهدفها رؤساءنا العظام مع نهاية مدتهم القادمة في العام 2024؟ صحيح أن بعضهم قد صرّح أنه سيسعى إلى توفير 100 ألف وظيفة جديدة، لكن هذا الرقم لن يستوعب العدد الضخم من المعطلين عن العمل في بلادنا..
- تنفق الدولة التونسية حاليا 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي على البحث العلمي. وجميع الدول المتقدمة تهتم بهذا القطاع الحيوي اهتماما كبيرا، إذ بالعلم والبحث فقط يمكننا أن نتقدم. فكيف يمكن رفع هذه النسبة إلى 1% فقط في ظرف 5 سنوات؟ ومن أي سيتم توفير موارد مالية لتمويل هذا الطموح؟
- بشكل مؤلم جدا، ينقطع سنويا حوالي 100 ألف تلميذ تونسي عن التعليم، وعشرات الآلاف منهم لا يتقنون الحد الأدنى من بعض المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب وتكنولوجيا المعلومات والاتصال. فكيف يمكن إنقاذ هؤلاء؟ كيف يمكن للدولة التونسية أن تقلّص أعداد المنقطعين عن التعليم، وبخاصة في سنوات التعليم الأساسي ليصبحوا استثناءً وليس قاعدة في بلادنا؟
- بيّنت مشاركات تونس في الاختبارات الدولية أن الأغلبية الساحقة من التلاميذ التونسيين يفتقدون إلى مهارات أساسية كثيرة في سنوات التعليم الابتدائي ومع نهاية التعليم الأساسي، فكيف يمكن إنقاذ هؤلاء عمليا؟ وكيف يمكن محاسبة وزارة التربية التونسية إذا تكررت ذات النتائج السلبية في المستقبل؟
- إلى اليوم ما تزال نسب النجاح في البكالوريا ضعيفة جدا في تونس، مقارنة بما هو مسجّل في الدول المتقدمة.. فكيف يمكن رفع نسب النجاح إلى 70% على الأقل في السنوات القادمة؟ وإن تم رفع هذه النسب، فأين سيدرس الطلبة التونسيين وماهي التخصصات التي سيتم إحداثها ومن أين سيتم تمويل بناء جامعات ومبيتات جديدة؟
- في العام القادم 2020، وبحسب صندوق النقد الدولي، سينخفض الدخل الفردي للمواطن التونسي إلى 2950 دولار أمريكي، وهو تراجع لم تسجله تونس منذ العام 2005. فكيف يمكن رفع الدخل الفردي للمواطن التونسي في السنوات الخمس القادمة، وهل بالإمكان إرجاعه إلى ما كان عليه في العام 2014، حيث بلغ 4200 دولار أمريكي؟
- تخصص وزارة التربية التونسية زمنا لتدريس اللغة الفرنسية في سنوات التعليم الابتدائي (8 ساعات أسبوعيا) يتجاوز الزمن المخصص لتعليم اللغة الأولى (6 ساعات فقط). وهي سياسة لا تتبعها الأغلبية الساحقة من الدول المتقدمة، حيث تخصص فرنسا 10 ساعات أسبوعيا لتدريس اللغة الفرنسية وساعة ونصف فقط لتدريس اللغة الإنجليزية. كما إن ولاية ألاباما الأمريكية تخصص 12 ونصف أسبوعيا لتدريس اللغة الأولى في السنوات الثلاث الأولى من التعليم الابتدائي. فهل هناك توجه لمراجعة السياسات اللغوية في تونس، وبخاصة في سنوات التعليم الابتدائي؟
- تبلغ نسبة المدارس التي لا تتوفر بها المياه الصالحة للشراب في بلادنا 30%، فكيف سيتم توفير المياه لأطفالنا في المدارس؟
- 42% من المؤسسات التعليمية التونسية لا تتوفر بها الإنترنت، فكيف نضمن أن جميع المدارس والمعاهد التونسية تتوفر بها خدمات الإنترنت؟
- تنفق تونس سنويا 6.6% من ناتجها المحلي الإجمالي على التعليم، أي أن الشعب التونسي ينفق حوالي 2.64 مليار دولار سنويا على التعليم. ورغم هذا كانت تونس ولازالت تحتل مراتب مـتأخرة دوليا فيما يخص التعليم. فهل من حلول لوقف الأذى الذي تتسبب فيه وزارة التربية التونسية للشعب التونسي؟
- بلغت عوائد السياحة في تونس حوالي 1.7 مليار دولار في العام 2017، في حين بلغت 9.1 مليار دولار في المغرب، و8.6 مليار دولار في مصر، و31 مليار دولار في تركيا و70 مليار دولار في فرنسا.. فكيف يمكن رفع عوائد السياحة التونسية إلى 5 مليار دولار فقط مع نهاية العام 2024، علما بأن الشركات السياحية الأجنبية لا تحوّل إلى بلادنا إلا نسبة ضئيلة جدا مما يدفعه السياح في فرنسا أو ألمانيا أو روسيا؟
- تبلغ نسبة الضرائب على الأرباح الصافية في تونس 35% إذا تجاوزت هذه الأرباح 50 ألف دينار سنويا، وهو ما يدفع معظم أصحاب المشاريع في تونس إلى التهرب الضريبي باعتماد أساليب ملتوية كثيرة، مثل عدم الاعتراف بأرباحهم أو دفع الرشاوي للمسؤولين عن مراقبة الأداءات، وهي ظاهرة متفشية في تونس بشكل مخيف. وعليه، فهل هناك توجه لمراجعة منظومة الضرائب في بلادنا حتى تصبح معقولة ومقبولة أكثر؟ وما هي النسب الجديدة المقترحة؟
- تسيطر بعض العائلات النافذة في تونس على تجارة بعض المواد والمنتوجات والبضائع من خلال توريدها والحصول على تراخيص حصرية من قبل الحكومة التونسية، مثل توريد السيارات أو الأجهزة الكهرومنزلية أو حتى الشوكولاتة والبسكويت. وبالتالي غابت المنافسة داخلية أو خارجية. كيف يمكن وضع حد لهذا الاحتكار واستنزاف العملة الصعبة، إذ توجد قوانين كثيرة تخص التصدير والتوريد والاستثمار قد تمت صياغتها وتم اعتمادها خدمة لهذه العائلات النافذة؟
- تبلغ نسبة الفقر في تونس حاليا أكثر من 15%، أي أن حوالي 2 مليون تونسي يعيشون بأقل من 100 دولار شهريا.. هل من خطة لخفض هذه النسبة إلى 10% فقط في السنوات الخمسة القادمة؟ بمعنى، كيف يمكن إخراج 600 ألف تونسي من الفقر في السنوات الخمس القادمة؟
- لا توجد أي شركة تونسية تتجاوز مداخيلها في السنة الواحدة 1 مليار دولار، في حين بلغت مداخيل شركة “تيفا” للصناعات الصيدلية في “إسرائيل” حوالي 32 مليار دولار في العام 2017، أي أكثر من ضعف ميزانية الدولة التونسية لسنة كاملة. كما أن القيمة السوقية لشركة أبل الأمريكية قد تجاوزت التريليون دولار أمريكي (أي أكثر من 1000 مليار دولار أمريكي) في السنوات الماضية، في حين بقيت الشركات التونسية خارج التاريخ. كيف يمكن دعم الشركات التونسية لتزيد من تنافسيتها وأرباحها ولتنتشر أكثر في العالم؟
- سنويا تقتني بعض الشركات الأوروبية زيت الزيتون التونسي وتقوم بتعليبه وبيعه في الأسواق العالمية بأسعار مضاعفة وتنسبه إلى بلدانها، علما بأن قوانين الاتحاد الأوروبي تتيح لهذه الشركات والدول الاعتداء على حقوق ملكية زيت الزيتون التونسي ونسبته إليها. فهل من توجه لوضع حد لهذه السياسات الأوروبية الانتهازية؟ وهل من توجه لفرض تصنيع كل ما تنتجه أرض تونس في تونس؟
- تتجاوز التحويلات المالية للتونسيين المقيمين في الخارج حجم الاستثمارات الأجنبية في تونس. وفي الوقت الذي يجد فيه المستمر الأجنبي تسهيلات كثيرة في تونس، يتم غلق الأبواب أمام التونسيين من خلال قوانين جمركية تحمي بعض العائلات والشركات في تونس. فهل من توجه إلى تشجيع التونسيين المقيمين في الخارج على الاستثمار في بلادهم بكل حرية؟
- يبلغ عدد الطلبة التونسيين الدارسين في الخارج أكثر من 20 ألف. ويبلغ عدد الكفاءات التونسية التي اضطرت إلى مغادرة البلاد عشرات الآلاف، وبخاصة في التعليم والتعليم العالي والطب والهندسة. فهل من خطط لتحسين الأوضاع المادية للأساتذة والباحثين والأطباء والمهندسين في تونس؟ وما هو حجم الزيادة التي تقترحونها في السنوات القادمة؟ ومن أين ستحصلون على التمويل اللازم؟
- في العام 2010 بلغ سعر الدولار الأمريكي حوالي 1.2 دينار تونسي لا غير. أما اليوم فالدولار الأمريكي يقارب 3 دينار تونسي. ما هو سعر العملة الذي ستستهدفونه في السنوات الخمس القادمة، علما بأن ضبابية أسعار العملة في تونس تربك المستثمرين والتونسيين المقيمين بالخارج وتجعلهم يترددون قبل تحويل أموالهم إلى تونس. وعليه فمن المهم تحديد أسعار العملة التي ستحاولون التقيد بها في السنوات القادمة، خاصة وأن معظم بيوت الخبرة الدولية تتوقع أن الدينار التونسي سيواصل انهياره في السنوات القادمة.
إني أعتقد جازما أن كل مترشح لا يملك إجابات دقيقة لهذه الأسئلة لا يصلح لحكم تونس. بل يفترض أن ينسحب من السباق الانتخابي من باب الوطنية والمسؤولية.. فحكم تونس ليس شهادة نضيفها إلى رصيدنا الأكاديمي أو ترقية نحتفل بها في مسيرتنا المهنية..
إن بلادنا اليوم في حاجة ماسة إلى قيادات جادة وقادرة على إعادة تشكيل التاريخ التونسي والمضي بنا جميعنا نحو آفاق أرحب للتقدم والازدهار والتنمية الحقيقية.
*عماد بن عبدالله السديري
Comments