رئيس الفيفا: "تونس انتصرت على العرب و في كل الميادين" .. الأنموذج التونسي حقيقة مجتمعية وتاريخية
كتب: منذر بالضيافي
قال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، جياني أنفانتينو، على هامش حضوره مباراة الدور النهائي لكأس افريقيا للنوادي، التي فاز بها الترجي الرياضي التونسي : ” صدمت بهذا البلد العظيم و هذا الجمهور الساخن الذي لم أرى مثله قط، جماهير تعشق ناديها إلى درجة أنني أحببت هذا البلد، حقيقة كان من دواعي سروري حضور هذا العرس الكروي في تونس”، و أضاف قائلا: ” تونس انتصرت على العرب و في كل الميادين”.
تصريح رئيس “الفيفا” ليس مجاملة لتونس ولشعبها، بل هو شهادة صادقة وأمينة على خصوصية المجتمع والدولة في تونس، على خصوصية وتميز “الأنموذج التونسي”، وعلى تباينه على محيطه الحضاري والثقافي، العربي الاسلامي، تونس لها تجربة تحديثية مختلفة، عن سائر بقية الدول العربية، وهذا ليس ادعاء أو “شوفينية”، بل أن حقائق الواقع وشهادات الباحثين وازوار العاديين تؤكد ذلك، بعيدا عن المجاملة.
بالمناسبة، نعيد ما سبق وان ذكرناه في كتابات سابقة، وهو قناعة راسخة لدينا، مفادها أن “الأنموذج التونسي” حقيقة وليس وهما، ومن هنا لا يمكن فهم ّ الثورة وطبيعة المسار الانتقالي الديمقراطي التونسي خارج هذا المفهوم وخارج سياق التاريخ التونسي الحديث والقديم.
ان “التفرد التونسي” يفترض وضعه في سياقة التاريخي، وضمن تجربة الاصلاح والتحديث المهمة التي عرفتها البلاد التونسية. “الاستثناء التونسي”، هي عبارة لمقارنة واقع تونس ببلدان أخرى وخاصة العربية، فهذا البلد الصغير الذي تتالت عليه الحضارات والمطل على البحر المتوسط، شهد أول ثورة مدنية ونسائية وسلمية في العالم العربي، ونجاح – لحد الان – في تحقيق انتقال سياسي بلا عنف.
حديثنا عن خصوصيات تجربة الانتقال السياسي والديمقراطي في تونس، نابعة من أن كل تجربة تاريخية هي خصوصية، بحيث تنشأ وفق العناصر المميزة النابعة من التجربة الجماعية لكل شعب من الشعوب في مواجهة مصيره.
ان حضور ثقافة حضرية من عدمها ، وتقاليد دولة ، ومجتمع مدني ديناميكي، وأماكن للتعليم والمعرفة ، ونخب طلائعية، وشخصيات استثنائية ، يساهم في منح مجموعة بشرية حكمة مميزة تشكل مخيالها وطريقتها في فهم ماضيها والتعامل مع حاضرها و استشراف مستقبلها. وعلى مر تاريخها الطويل ، اكتسبت تونس نضجا اجتماعيا /سياسيا وثقافيا ميزها في محيطها العربي الاسلامي.
ترجع هذه “الخصوصية الى كون “الدولة التونسية متجذرة في التاريخ منذ أكثر من ثلاثة الاف سنة. من قديم الزمان ومنذ قرطاج كانت هناك دائما دولة متماسكة تخضع لتراتيب معينة في هذا الجزء من افريقيا الذي أعطى اسمه للقارة السمراء.
و منذ الحقبة الرومانية كانت البلاد تتوفر على مظاهر العمران وكان يوجد بها سكان في الوسط الحضري وهناك سلطة مركزية. وحالما تأسست مدينة القيروان ، اتخذت تونس لنفسها توجها تحرريا في علاقتها بالإسلام فمثلا كان ” عقد الزواج القيرواني ” الخاص بالبلاد التونسية يحمي حقوق المرأة في مواجهة مسألة تعدد الزوجات التي في الواقع كانت نادرة على صعيد الممارسة.
كما أن عنصر القوة يتمثل في كون المجتمع التونسي منسجم، فتونس لا تشكو من تعددية اثنية وطائفية مثل تلك التي تميز مجتمعات المشرق العربي. والتونسيون المسلمون يجمع بينهم المذهب المالكي، وفي القرن التاسع عشر للميلاد أطلق حاكمان مستنيران هما حمودة باشا و أحمد باي اصلاحات جوهرية وضعت تونس على درب الحداثة، وتأكدت النزعة الى الاصلاح والتقدم، طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين.
Comments