الجديد

رابح الخرايفي يكتب: “ما العمل  إذا صوّت التونسيون ب “لا ”  على مشروع الدستور ؟”

كتب: رابج الخرايفي*

ما العمل إذا صوّت التونسيات والتونسيون ب “لا ”  في الاستفتاء على مشروع الدّستور الجديد يوم 25 جويلية  2022 ؟.

يكتسب هذا السّؤال جديّة  أولا من فرضية تصويت التونسيات والتونسيون ب”لا ” يوم  25 جويلية  2022 تاريخ الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد ، وثانيا من ما يترتب عنها من آثار قانونية وسياسية مباشرة على استقرار مؤسسات الدولة التونسية، وعلى الاستقرار السّياسي والاجتماعي، وعلى شرعية ما تبقى من المدة الرئاسية.

إن ما فَرَضَ وُجوب إعطاء هذه الفرضية أهمية كبرى، هو توسّع قاعدة معارضة رئيس الجمهورية المتكونة من “جبهة الخلاص الوطني” و “حملة إسقاط الاستفتاء”، وجمعيات ، وشخصيات سياسية ،وأساتذة جامعيون، وعدد من النقابات (نقابات القضاة ،نقابة الصحفيين، والاتحاد العام التونسي للشغل).

فقد تقْدر هذه المعارضة مجتمعة على تعبئة شعبية واسعة تقنع نسبة كبيرة من الناخبات المترددات ،والناخبين المترددين بخيار مقاطعة المشاركة في الاستفتاء .

كما يمكن أن تقنع عدد آخر  بوجوب التصويت ب “لا” لمشروع الدستور الجديد، فتنجح عندئذ هذه المعارضة في إضعاف الإقبال على الاستفتاء فتكون نتائجه ضعيفة بالنسبة لعدد المقترعين المسجلين في السجل الانتخابي البالغ  تقريبا تعسة ملايين، وهو ما يمكن أن يفتح باب التشكيك في مشروعية هذا النص الدستوري الجديد.

بناء على ذلك، فمن المفيد الانتباه إلى هذه الفرضية الخطرة والاستعداد لها بدرسها وتقديم  مقترحات  لمعالجة ما يُمكنُ أن يترتب عنها من آثار دستورية وسياسية على حسن سير الدولة واستقرارها، وعلى شرعية مؤسساتها ، لأنه هناك من يتحدث على وجوب استقالة رئيس الجمهورية ، وهناك من يتحدث على إمكانية عرض مشروع دستور جديد على الاستفتاء ،وهناك من يتحدث على العودة إلى العمل بدستور 27 جانفي 2014 إذا تغلبت نسبة الرافضين لمشروع الدستور الجديد على المؤيدين له.

 

لا تأثير لرفض مشروع الدستور الجديد على ما تبقى من عهدة قيس سعيد الرئاسية

 

إذا رفض التونسيات والتونسيين يوم 25  جويلية 2022 تاريخ الاستفتاء، مشروع الدستور الجديد فان السؤال الذي يُطرح  هو كيف سيتصرف الرئيس قيس سعيد  حيال هذا القرار؟.

من الناحية الدّستورية لا يترتب أي اثر قانوني على قرار رفض الناخبين لمشروع الدستور الجديد، لان التصويت هو تصويت على نص دستوري جديد وليس تصويت على شخص قيس سعيد، فهو باق في الحكم إلى سنة 2024. فقيس سعيد رئيس للجمهورية التونسية بنسبة  72,71 بالمئة من الأصوات المصرح بها في سنة 2019.

إمّا سياسيا، يمكن أن يُحرج هذا الرفض رئيس الجمهورية، فلا يُرفع هذا الحرج الا بتقديم استقالته. وإذا فكر في الاستقالة رغم انه من المستبعد جدا ، فان الفرضيات الدّستورية الممكنة هي إلغاء الأحكام الاستثنائية والعودة إلى دستور27 جانفي 2014، ويتولى حينئذ راشد الخريجي الغنوشي بصفته رئيس مجلس نواب الشعب رئاسة الجمهورية مؤقتا.

لو تحققت هذه الفرضية، يمكن أن تترتب عنها فوضى عارمة يقودها شق من التونسيات والتونسيين الرّافضين لشخص راشد الخريجي الغنوشي ولحركة النهضة وحلفاءها من الأحزاب السياسية والشخصيات السّياسية.

والدّعوة لاستقالته وتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها ؟، أو عرض مشروع جديد يعد بغير الطريقة التي اعد بها المشروع المرفوض أم يواصل الحكم بالأحكام الاستثنائية ، أم يدعو لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها  لمجلس نواب جديد وفق قانون تنظيم مؤقت للسلط ؟.

اعتقد ان كل تلك الفرضيات سوف لن يتحقق منها الا واحدة ، والفرضية التي ستتحقق هي انه سيتم الاستفتاء وفي تاريخه  وسيمر الدستور بعدد المقترعين المشاركين.

 

عناصر قوة الرئيس قيس سعيد التي سيمرر بها مشروع الدستور

 

لم تستطع النخب السياسية والقانونية والفكرية التونسية أن تقبل وتفهم لماذا اختار رئيس الجمهورية قيس سعيد مواجهة تلك النخب بحدة وعنف وبأدوات واليات غير مألوفة وهي المباغتة،والغموض والصدمة، ورفض فكرة الحوار والتوافق.

ما أهملته هذه النخب في رأيي ، هو أنها لم تتفطن إلي جوانب نفسية وسوسيولوجية لجزء كبير من المزاج العام الذي يثق في رئيس الجمهورية قيس سعيد، هذا المزاج الذي تكوّن على كرههم للاتحاد العام التونسي للشغل لكثرة إضراباته في كل القطاعات والتعليم أساسا، وكرههم لحزب حركة النهضة وحلفاءها من أشخاص، وأحزاب، وكرهها للقضاة لسوء سير القضاء،وكرهها للإدارة التونسية الموصوفة بالفساد والثقل .

فقد التف عدد كبير من التونسيات والتونسين حول قيس سعيد لأنهم يعتقدون انه سيخلصهم من قبضتهم وسطوتهم وفسادهم. وزادت ثقتهم فيه لما بدأ في اتخاذ قرارات جريئة، و تفكيك ما يعتقد أغلبية الناس انه سبب في تراكم مشاكلهم. فعزل عدد 57 قاض ، وأحال عدد من قيادات حركة النهضة على القضاء، ومكافحته لاحتكار….

إن مواجهة رئيس الجمهورية لا يكون فعال وذي جدوى الا اذا فهمت النخب ان افعالهم واسلوب تفكيرهم هو السبب في ما نحن فيه.

ما استخلصه في هذه الورقة، أنه لن تجدي مواجهة رئيس الجمهورية في الوقت الحالي، لأنه مسنود بمزاج عام غير منظم في أحزاب ومنهم من هم في أحزاب، وسيزيد في التعبئة الشعبية كل قرار يتخذه ضد كل شخص أو حزب، و يزيد ذلك في تدعيم ثقة الناس في شخصه ، فلا ينفع ضجيج المعارضة و النخب الذي نسمعه ، فهم واهمون و يعتقدون انهم يعملون لصالح الشعب وهو رافض لهم.

 

*باحث في القانون الدستوري

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP