الجديد

راشد الغنوشي: يناور على كل “الجبهات” .. فهل يصمد ؟

خديجة زروق

جعلت العشرية الأخيرة، عشرية ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، من راشد الغنوشي زعيم حركة “النهضة” الاسلامية، لاعبا أساسيا و مؤثرا في المشهد السياسي التونسي، مع ما يعنيه ذلك من تمكنه من اوراق ضغط، و توجيه لمجريات الأحداث، و كذلك من ” استهلاك” للرصيد”، و ” استنزاف ” للجهد، خاصة و أن عشرية ” الثورة”، هي بكل الحسابات عشرية أحداث متسارعة و متداخلة، و إنجاز غير مكتمل في أغلب المجالات.

و من المفارقات التي ترتبط بمسيرة راشد الغنوشي، تحوله إلى ” رجل دولة” من خلال توليه رئاسة مجلس نواب الشعب، قد جعله أكثر عرضة للنقد و ” الاستهداف” من خصومه، الذين اعتبروا أنه يدير المؤسسة التشريعية بأسلوب قوامه الاعتبارات السياسوية ، و أيضا من عدد هام من إطارات حركة النهضة، الذين أصبحوا يعتبرونه سبب تراجع شعبية الحركة و تذبذب أدائها.

يبدو أن هذه الانتقادات لم تغير كثيرا من شخصية راشد الغنوشي، الذي وصفه عالم الاجتماع عبد القادر الزغل ب”الابن غير الشرعي” للحبيب بورقيبة، من حيث إعادة النظر في تحالفاته و التنازل قبل بلوغ نقطة اللاعودة، و هو ما تجلى البارحة في البيان الذي أصدره كرئيس لمجلس نواب الشعب، أدان فيه العنف الذي مارسه نائب من ائتلاف الكرامة ضد زميل له  من التيار الديمقراطي.

هذا البيان اعتبره البعض جاء متأخرا و غير كاف و قد لا يحل مشكلة التوتر الهيكلي التي تطبع مناخ مجلس نواب الشعب، و لكنه مهم في سياق الانعطفات التي أخذ راشد الغنوشي يقوم بها، في الأيام الأخيرة في سياق الاستعداد للمرحلة القادمة.

يمثل  بيان البارحة  تخليا من رئيس المجلس عن حليف “مزعج ” و لكنه” مفيد” و هو ائتلاف الكرامة، الذي طالما لعب دورا في التصدي للحملات التي استهدفت راشد الغنوشي داخل المجلس.

و كان هذا التخلي متساوقا مع أخذ مسافة لافتة مع رئيسة هيئة الحقيقة و الكرامة المنتهية مهامها سهام بن سدرين، التي طالما اعتبر أغلب الملاحظين أنها تستمد ” حصانتها” من حماية سياسية يوفرها لها راشد الغنوشي.

و لم يفت رئيس حركة النهضة في سياق ” الانعطاف الإستراتيجي ” أن يوجه تحية أثارت الكثير من ردود الفعل لنبيل القروي،  بعد أن اعتبر عدد من الملاحظين أن الغنوشي قد تخلى ” بسهولة ” عن حليفه،  بل ذهب البعض إلى درجة الحديث عن بوادر انقسام صلب “قلب تونس” يحبذه رئيس حركة النهضة.

يبدو أن الغنوشي يستقبل السنة الجديدة بتصور جديد يقوم على إحياء سياسة ” التوافق ” و البحث عن “تسويات” مع جانب من ” الدساترة”، حتى و إن كان ذلك يفرض التعامل مع عدة أحزاب، و مع طيف واسع من الشخصيات، و المراهنة على بروز قيادات دستورية، قادرة على كبح تنامي شعبية عبير موسي.

كما يخطط الغنوشي  لعزل رئيس الجمهورية قيس سعيد مستفيدا من ضعف أدائه وتراجع شعبيته، باتجاه افقاده القدرة على التأثير وعلى التحرك، و هو ما سيتكرس في التحوير الحكومي المنتظر، و أيضا عبر القيام بخطوات لافتة في مجال المصالحة الوطنية.

ويبقى السؤال الكبير، حول مدى امتلاك راشد الغنوشي لإمكانيات سياسته، و مدى قابلية السياق السياسي بكل مكوناته لهذه الانعطافات، التي يقوم بها الرجل وسط “شيطنة” كبيرة من قبل بعض الأنصار قبل الخصوم؟

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP