رضا بلحاج يكتب: “لا انتقال ديمقراطي دون أحزاب”
رضا بلحاج
تعيش تونس هذه الأيام بمناسبة تكوين الحكومة نقاشا حول دور الأحزاب السياسية و مسؤوليتها في ما آلت إليه الأوضاع، وقد وجدت فكرة تكوين حكومة كفاءات بعيدة عن الأحزاب دعما من شرائح عديدة ، بل تزامن هذا النقاش مع حملة ضد الأحزاب، صدرت حتى من بعض أساتذة القانون الدستوري، في دعم واضح لموقف الرئيس قيس سعيد، الذي أبدى معاداة ورفض للأحزاب منذ حملته التفسيرية/ الانتخابية.
هذا النقاش ليس جديدا فقد سبق أن خاضه العديد من المفكرين ورجال القانون. فقد جاء على لسان الفقيه vedel “لا توجد ديمقراطية دون أحزاب منظمة كما يمكن الديمقراطية أن تموت جراء الأحزاب”. فهل أن الأحزاب في تونس بعد الثورة كانت حافزا للديمقراطية أم معطلا لها؟
يعلم الجميع أن تونس قبل 2011 كانت تعيش تحت نظام استبدادي وسطوة حزب الدولة بالرغم من وجود أحزاب إدارية للديكور. و بعد الثورة واعتبارا لأحد أهم الشعارات التي رفعها الشباب وهي الحرية واعتبارا وأن عماد الجمهورية هي الأحزاب السياسية، ولا يمكن تحقيق الانتقال الديمقراطي دون وجود أحزاب سياسية، وتوفير الشروط الموضوعية للتداول السلمي على السلطة.
ومن هذا المنطلق تم ومنذ 2011 الانطلاق في بناء أسس الديمقراطية حجرة حجرة فتم إصدار الأطر القانونية لنشاط الأحزاب و الجمعيات و الصحافة والإعلام وضمان نزاهة الإنتخابات بإحداث الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات وإصدار دستور الجمهورية الثانية وضمان إستقلالية القضاء بإحداث المجلس الأعلى للقضاء.
وتم إستكمال دورتين إنتخابيتين كاملتين برئاسياتها وتشريعياتها وبلدياتها لعبت فيها الأحزاب أردنا أم أبينا دورها كركائز لهذه الديمقراطية الفتية. برغم اننا لم نبلغ المستوى المطلوب خصوصا في المجال الإقتصادي.
المشكل أن أغلبنا لم يطلع على تجارب الإنتقال الديمقراطي فلقد سبق لديمقراطيات أصبحت اليوم عريقة وعاشت نفس التجربة وواجهت نفس الإشكاليات مثل إسبانيا والبرتغال وجنوب إفريقيا وبلدان أروبا الشرقية.
فالبلدان التي نجحت إنتقالها وترسخت لديها الديمقراطية لم تقصي الأحزاب بالرغم من مرورها بفترات طويلة من عدم الإستقرار الحكومي وتفشي الصراعات السياسية ، ففي بعض البلدان ومنها إسبانيا تكونت أكثر من خمسة حكومات في دورة إنتخابية واحدة، ورغم ذلك لم يقع إحالة الأحزاب على “الراحة الوجوبية” ، بل تكثفت الحوارات الوطنية التي تشارك فيها أساسا الأحزاب، والتي يمكن أن تفضي إلى تكوين حكومة كفاءات تكون مدعومة من الأحزاب.
كما أن تجارب الإنتقال الناجحة هي التي شهدت حوارات وتوافقات بين الأحزاب التي خرجت من رحم الثورة و الأحزاب الحاكمة قبل الثورة ، قادتها شخصيات مثل منديلا في إفريقيا الجنوبية وغونزالاس في إسبانيا و الباجي قايد السبسي في تونس إلى حدود 2019 .
إن الخطر الذي يهدد الإنتقال الديمقراطي في تونس اليوم هو هذه الحملة حد “الشيطنة” على الأحزاب ، و مهما كانت مبرراتها شتزيد في فتح المجال أمام التيارات الشعبوية: شعبوية رئيس الجمهورية التي تفتح الباب على مصراعيه للفوضى، وشعبوية تلتقي معه في النهاية وهي الدعوى للعودة للنظام السابق ، وبينهما منظمات تحاول إفتكاك دور الأحزاب.
فما يقع هذه الأيام إذا لم تعي بخطورته النخب الديمقراطية وتترك عواطفها وخلافاتها الايديولوجية جانبا فإن مستقبل الديمقراطية وما تم بنائه خلال عشرية كاملة سيصبح معرضا لانتكاسة كبيرة.
اليوم تونس في حاجة لاستكمال مسارها الإنتقالي وتصحيحه وتدعيمه، ولا يتم ذلك إلا عبر حوار وطني يكون موضوعه تركيز ما تبقى من المؤسسات المعطلة، و التفكير في تحويرات لبعض أحكام الدستور المتعلقة بالنظام السياسي، وكذلك النظام الإنتخابي ، ووضع برنامج إنقاذ إقتصادي.
Comments