الجديد

رفض دفن موتى الكورونا .. انهيار أخلاقي و مجتمعي

هشام الحاجي

فرضت الكورونا دكتاتوريتها على جميع المجتمعات، إذ وحدت المخاوف و نمطت السلوكات، ما دام الجميع يخشاها و يتوقاها، و يضبط جدول أعماله على وقع مقاومتها.

و مما زاد في وطأة الكورونا، ما يحيط بالفيروس من غموض ، و ما يتأكد لحد الآن من غياب للحل العلمي/الطبي الفعال، و هو ما فتح الباب أمام ردود فعل متنوعة، بعضها راق و متطور و البعض الآخر هو إستعادة لرواسب “بدائية “.

من بين مظاهر الرواسب “البدائية “، رفض بعض السكان في منوبة و مجاز الباب دفن ضحايا الكورونا، في مقبرتي المدينتين بعد أن سبقهم سكان بنزرت، في المطالبة بنقل جثة امرأة قضت عليها الكورونا إلى مكان آخر.

هذا السلوك يكشف تنامي مخاوف لا أساس لها من الصحة، من الناحية العلمية إذ يقع إتخاذ جميع الاحتياطات، و من الصعب أن ينقل الأموات العدوى او يسربوها من تحت اللحود للاحياء.

هذا السلوك يمكن أن تتسرب منه النعرة الجهوية او المناطقية، و هو ما تجلى في مطالبة محتجي مجاز الباب بنقل المتوفى إلى موطنه الأصلي تستور، و يمكن أن يخلق وصما اجتماعيا سلبيا، لأن طقوس الدفن لها جانب من التثمين الإجتماعي، و حين يتحول دفن ضحايا الكورونا إلى مدعاة للاحتجاج، فإن ذلك يضاعف في الم ذويهم .

كما تمثل هذه الظاهرة ( رفض دفن موتى الكورونا) شكلا من أشكال ضعف التضامن المجتمعي، و مما يزيد الأمر وقعا تذبذب السلط الجهوية و المحلية، في التعامل مع المسألة.

فبقدر ما تحركت في بنزرت بصرامة و اعتبرت الاحتجاج في هذه الحالة “انحرافا”، بقدر ما “تراخت “في منوبة و أقامت مدفنا خاصا لضحايا الكورونا، و هو ما يمثل بكل المقاييس سابقة خطيرة ، و مؤشرا يدعو إلى توحيد الرؤية، إذ يقع “نبذ ” هؤلاء في الوقت الذي يعتبرهم مفتي الجمهورية “شهداء”.

ان  هذه المراوحة بين “التقديس ” و ” التبخيس ” ، هي مؤشر على ارتباك قد تكون تداعياته أكبر لمن سيتعافى من هذا الداء العنيد، و الذين نرجو أن يكونوا الأغلبية الساحقة من بين الذين سيصيبهم.

و لكن من الضروري، أن لا يقع وصمهم و أن لا توضع حواجز وهمية أمام حياتهم، لأن الكورونا هي في نهاية الأمر مرض كغيره من الأمراض، و هناك أمراض أخرى لا تقل عنه خطورة و فتكا، و لأن وصم المرضى و المواطنين هو في نهاية الأمر مظهر من مظاهر التخلف الإجتماعي، و مؤشر على ارتباك في آليات الإدماج والتضامن الإجتماعيين.

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP