“رمضانيات”: يكتبها خالد شوكات:”التديّن و سوء الخلق”؟ /5 من 30/
خالد شوكات
عندما التحقت بمعهد المكناسي أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، لمتابعة دراستي الثانوية، إذ لم يكن في المزونة حينها ثانوية، اصطدمت بحقيقة أنني سأكون مضطرا و أنا بالكاد بلغت الخامسة عشرة، إلى طلب الاستجارة بإحدى القبائل الثلاثة المهيمنة على الساحة السياسية حينها، فإما أن تكون حينها يساريا أو قوميا عربيا أو إسلاميا.
و قد اخترت بعد قليل من التفكير الالتحاق بالقبيلة الأخيرة، لا لنضج فكري أو تأمل سياسي، إنما لسببين أساسيين لا صلة لهما بالفكر أو السياسة، أولهما كراهيتي للقول الفاحش، و كان الإسلاميون من بين تلاميذ المعهد وحدهم تقريبا من يستنكف ذلك، و ثانيهما مقتي الشديد للتدخين، و كان الإسلاميون من التلاميذ الأقل تدخينا، و خلاصة القول أن المدخل إلى إسلاميتي ( لا إسلامي بطبيعة الحال) كان أخلاقيا صرفا.
و قد استقر الإسلام في أعماقي ذلك الذي حدده الرسول صلى الله عليه و سلم في الحديث الشريف “المسلم من سلم الناس من يده و لسانه”، كما فهمت الإسلام باعتباره مصدرا عظيما للخلق الحسن، فالمسلم صحيح الإيمان لا يمكن أن يكن فض اللسان غليظ القلب سيء الخلق.
و لا يمكن للمسلم الحق إلى ذلك أن يكون حسن الخلق مع المتدييّن، سيء الخلق فاحش القول مع غيرهم، سواء أكانوا من المسلمين أو من غير المسلمين، فالمسلم سمح طيب يبادر الناس بالسلام و ابتسامته في وجه أخيه صدقة. و مثلما كان المدخل إلى الحركة الإسلامية أخلاقيا، فإن مراجعاتي اللاحقة كان منطلقها عندي أخلاقيا أيضا، فقد وقفت – و ما أزال للأسف الشديد- على كثير ممن ينتمي إلى حركات إسلامية، لا يرى مانعا في الخروج على الأدب و الخلق الحسن، و لا يجد غضاضة في ممارسة الكذب و الافتراء و الغيبة و النميمة و فحش القول و ممارسة العنف، ما دام الأمر يتعلق بالتعامل مع خصوم فكريين أو سياسيين، يستبيح أعراضهم ويستحيي حقوقهم.
و لا شك أن كل مقلب في صفحات و مواقع الحوار الالكترونية، و كل متابع لسجالات المظاهرات و الأنشطة السياسية، سيجد بلا عناء آلاف الحالات و العينات من بشر يرفعون لواء الغيرة على الإسلام، و لا يترددون في استعمال كافة الوسائل غير الأخلاقية في مواجهة خصومهم، من قول فاحش و اتهام باطل و اختلاق للافتراءات و ترديد للأكاذيب و افتعال و ترويج لأقاصيص مزورة.
و إنني لا أستغرب من قادة حركات إسلامية، يحملون ألقابا متعددة، دعاة و مشايخ و علماء، لا يبتسمون في وجوه الناس، متجهمون دائما، و لا توحي عباراتهم أو تصرفاتهم بأنهم دعاة رحمة و و مودة و سلام، و أقارن بين هؤلاء و أولئك التجار المسلمين الذين ذهبوا دعاة إلى أندونيسيا ففتحوها إلى اليوم بالكلمة الطيبة و السلوك الإنساني القويم الرحيم.
و على الرغم من أن الفقه يقول بأن الضرورة تبيح المحظورة، فإن هذه القاعدة تصح في كل الاتجاهات و المعاملات، إلا في اتجاه واحد كما يؤكد العلماء الأجلاء و العارفون بالله حقا، هو اتجاه الأخلاق، المسلم صحيح التدين هو من سلم الناس فعلا ( لاحظ عبارة الناس و ليس المسلمين فقط) من يده و لسانه.
لا أظن أنه سيشرف حركة النهضة مثلا أو غيرها من الحركات الإسلامية، أن يدافع عنها من لا يسلم الناس من أيديهم و ألسنتهم، و أتمنى لو يخرج علينا يوما أحد قادة هذه الحركات علنا، لينهر تابعا أو أتباعا عن قول فاحش أو افتراء أو كذب اقترفه، و ليدعوه ليكون له في رسول الله قدوة حسنة، و هو المبعوث للبشرية من أجل إتمام مكارم الأخلاق، فالأمم الأخلاق ما بقيت.
و إذا كان الهدف غيرة و حبا للدين، فإن الدعوة للدين لا يمكن أن تكون إلا كلمة طيبة، و سلوكا حميدا، مصداقا لقوله تعالى “كلمة طيبة كشجرة طيبة”، و ليس من تهديد لمكانة الإسلام إلا من أولئك الذين يزعمون أنهم ينتصرون له بممارسة العنف اللفظي و الفعلي، إذ من المعيب أن يحتاج الله – حاشاه- للدفاع عن دينه سواعد ضعاف من عبيده أو ألسنة بشر مؤذية مقذعة من خلقه.
شخصيا لا استطيع أن أتخيل أنه يمكن الجمع بين الدين و سوء الخلق، و قد رأيت منذ الثورة و إلى الآن أعاجيب قادرة على أن تفعل ذلك في السر و العلانية.
Comments