ريبورتاج/ مع مهرّب بنزين .. ربح ونفوذ ومخاطر بالجملة
درصاف اللموشي
وظيفة بلا ترخيض قانوني ولا مرتّب قار خطيرة وغير سهلة تتطلّب الذكاء للهروب من المُلاحقة والمهارة للقيادة بدقة وتصل الى حدّ الايقاف أو الحجز أو الموت أو الحرق.
يمتهن محمد التجارة المُوازية تحديدا بيع البنزين المُهرّب الذي يتولّى جلبه من القطر الجزائري وهي تجارة نشطة في الجنوب الغربي التونسي نظرا لقرب الحدود بين البلدين.
التحيل على الملاحقة
يُفضّل محمد استقلال سيارته باتجاه الجزائر عند ساعات الصباح الأولى والسبب يعود لسكون وهدوء الحركة عند الطريق في هذه الأوقات.
أحيانا يعبر بصفة عادية عبر معبر حزوة الحدودي باتجاه معبر الطالب العربي مُتبعا الاجراءات الديوانية وهو ما يتطلب منه الانتظار ساعات اما لمرور سيارات قبله أو لاقناع حرس الحدود من الجهة التونسية أو الجزائرية بعدم حجز بضاعته المُتمثلة في حاويات البنزين.
يلجأ المُهرّبون أحيانا لحيل أوضحها محمد تتمثل في اضافة خزان ثاني للوقود داخل السيارة يُمكّن من استيعاب كميات أكبر من البنزين يصعب الانتباه اليه من قبل الأمنيين.
وقد لا يتبع محمد الاجراءات الديوانية من تفتيش وختم لجواز السفر وغيرها ليضطر لدخول القطر الجزائري بطريقة غير قانونية أي من الصحراء.
وكشف محمد أنه في مثل هذه الحالة تكون عادة السيارة من دون لوحة منجمية لكي يتمكّن صاحبها من الفرار دون كشف هويته، كما أن الطريق وعر وغير معبّد تكسوه الكثبان الرملية مما تنجرّ عنه العديد من حوادث المرور القاتلة اما لوعورة الطريق أو للسرعة الزائدة للهروب من سيارة أمنية تتعقبهم.
ومن الممكن أن تصيب رصاصة أحد المُهرّبين الغرض من اطلاقها ايقافها أو اصابة السيارة، وأوضح محمد أنه من الصعب التسامح
مال ونفوذ وعلاقات
تحديات عديدة يعيشها المهرّب يوميا ترتقي الى مخاطر ورغم ذلك يبقى يصرّ على مواصلة هذا العمل دون تردّد ويوضّح محمد أنه مُجبر وليس مُخيّر بسبب البطالة اذ أنه لم يجد عملا رغم أنه صاحب شهادة عليا.
ويصل سعر اللتر الواحد من البنزين الخالي من الرصاص الى1.985 دينار تونسي(0.65 دولار) وسعر الديزل دون كبريت إلى 1.745 دينار وفيما سعر الديزل العادي 1.48 دينار، بينما في الجزائر 750 مليم للتر الواحد من البنزين خالي الرصاص (0.24 دولار) أي بفارق يصل الى قرابة الثلاثة أضعاف بين البلدين البلدين.
وزادت تونس في أسعار الوقود 4 مرات سنة 2018، مما جعل الاقبال على تجارة المحروقات المهرّبة تزدهر.
يرى محمد أن عمله هذا لا يجعله من الأثرياء لكنه أيضا يُغطّي مصاريفه من مأكل وملبس ودواء والدته حتى أنه أصبح يُفكّر في شراء بيت صغير خاصّ به.
وبخصوص أن المُهرّبين يُعتبرون من الأثرياء والمُتنفّذين ذكر أنه هؤلاء هم أباطرة التهريب الذين يملكون شاحنات كبرى تنقل صهاريج كاملة لتهريب البنزين عبر الصحراء على عكس صغار المهرّبين الذين ليس لديهم الا سيارة خاصة واحدة صغيرة لا يمُكنها نقل كميات كبيرة من البنزين.
وكشف مُحدّثنا أنه يوجد فئة من المُهرّبين أصبحت نافذة ولها علاقات قوية وكوّنوا صداقات متشابكة ومعقدة مع الجميع حتى أن هذه العلاقات انتقلت الى القطر الجزائري وأصبحوا مُقرّبين من عائلات جزائرية بفضل قوة المال.
رغم حالات الغش حرفاء كُثر وسيارات ادارية وفية
حركة دؤوبة بين المعابر الحدودية وفي المسالك غير المراقبة وسيارات تتدفق مُحمّلة بحاويات البنزين انجرّ عنه تشكيات في صفوف أصحاب محطات الوقود من دخولهم في منافسة مع قطاع غير منظّم يعرض بضاعته بأسعار زهيدة مُغرية على قارعة الطريق مُعرّضة لأشعة الشمس دون حماية أو دفع ضرائب لخزينة الدولة.
ورغم ذلك فان حرفاء أوفياء لهذه البضاعة من مختلف فئات المجتمع يقبلون على شرائها ولا ينفي محمد أن بعض أصحاب محطات بيع البنزين يشترون منه البنزين المُهرّب لتسويقه الى الحرفاء بسعر البنزين القانوني في تونس والهدف من ذلك بالنسبة اليهم البحث عن أرباح اضافية على حدّ تعبيره.
ولا يُنكر محمد أن بعض السيارات الادارية من أجل توفير المال لفائدة السواق تبيع وصولات التزود بالبنزين من المحطات المخصصة لذلك و تقتني البنزين المهرب.
أشخاص أصيبت سياراتهم بأعطال طالت المحرك نتيجة خلط البنزين بالماء ورغم ذلك لا يتخلون عن شراء البنزين المهرب.
الحرائق التي تحدث في بعض الأوقات بسبب سيجارة أو ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف أو تسرب البنزين لا تردع هذه الفئة عن بيع البنزين المهرب أو شرائه.
فالخسائر البشرية أو المادية أو تضرر اقتصاد الدولة كلها أسباب غير مقنعة بالنسبة اليهم ويبرر محمد رأيه بأن الدولة تخلت عنهم ولم تفكر في مورد رزق لأمثاله القاطنين على الحدود ثم تطالبهم بالبقاء عاطلين عن العمل وعدم المجازفة وهدم الاقتصاد وتتهمهم بالبحث عن الثراء السريع.
Comments