سقوط مسقط
كتب: أمين بن مسعود
الصور والفيديوهات القادمة من العاصمة العمانية مسقط والتي تشير إلى استقبال سياديّ لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وحرمه وفريق من وزرائه من قبل السلطان قابوس بن سعيد, لا تبشّر ولا تؤشر إلى خير لا لصالح القضية الفلسطينية أو لا لمسار السلام المزعوم كما هو وارد في بيان التلفزيون الرسمي العماني الذي أذاع خبر اللقاء.
المفارقة التي يصعب تحليلها في هذا المقام, كامنة في أنّ خطوة التطبيع المجانية تاتي من عاصمة معروف عنها الرصانة والمسؤولية والهدوء والكياسة والحصافة والقدرة على التوازن بين المصالح المحلية والاستحقاقات الإقليمية, وباتت منذ عقود اندلاع حروب الخليج في الثمانينات تقريبا الصوت الأكثر عقلانية والأقل انخراطا في المشاكل العربية والخليجية البينية.
المفارقة الأكثر وضوحا انّ الاندفاع العماني نحو هذه الخطوة, لم يحصل زمن إدارة اليسار الإسرائيلي لدفة السلطة في تل أبيب, ولا حين سنوات ربيع أوسلو, ولا أيام التقارب بين المرحوم ياسر عرفات وإسحاق رابين, ولا في عصر المبادرة العربية للسلام وهي مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في سنة 2002, ويحصل للأسف في وقت يقبض فيه اليمين القومي والديني المتطرف على الحكم في تل أبيب وفي عصر الاستخفاف بالحقوق الفلسطينية وأرسلة القدس وجنون الاستيطان وإبادة فلسطينيي الداخل والخارج وضرب حقوق اللاجئين والتحالف غير المقدس بين إسرائيل وإدارة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية.
قبل يوم واحد من زيارة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى مسقط, اقترح على عادته في السماجة السياسية على الفلسطينيين نظام حكم أقل من الدولة وأكثر من الحكم الذاتيّ, وهو ما عبر عنه سابقا ب”الدولة الناقصة”.
والدولة الفلسطينية الناقصة وفق التصور الصهيوني تعني أرض بلا سيادة, وجغرافيا بلا تحكّم في موارد المياه, وفضاء دون اقتصاد سيّد وجيش مستقلّ, واستبدال فلسطيني 48 بأرض الاستيطان والمستوطنين في الضفة الغربية, والتهام للقدس واستبدالها بأبو ديس, ومقايضة الخليل ورام الله بصحراء النقب…
بعبارة أدقّ, الكيان الصهيوني ضرب وقوّض كافة المبادرات والتسويات ومشاريع الحلول منذ أوسلو إلى ريفير إلى مبادرات بيل كلينتون وأوباما, وضرب عرض الحائط بالوساطات الأمريكية غير النزيهة أصلا, فكيف له أن يقبل بوساطة عربية أو عُمانية في السياق وماهو البديل الذي ستقدّمه مسقط في هذا الإطار؟؟؟
بلغة المصالح, ماهي الفائدة من تبذير ورقة سياسية وتقديم هدية ديبلوماسية وانتخابية جدّ ثمينة لسياسي عنصري مقيت ولحكومة تعدّ واحدة من أكثر الحكومات متطرفة وعنصرية ومتصهينة على مدى تشكل الكيان العبريّ, وما جدوى إهداء نتنياهو ورقة التطبيع مع العواصم العربية دون مقابل حقيقي تستفيد منه القضية الفلسطينية وفلسطينيو الداخل والخارج.
وبلغة أدقّ وأكثر تفصيلا, ماذا قدّم نتنياهو للفلسطينيين وللعرب الذين هرلوا للتطبيع الرسمي منذ 1993 ,1994 مع إسرائيل, وماذا يمكنه أن يعطي لسلطنة عُمان حتّى تقدم مسقط على خطوة سياسية تعدّ في تقديرنا واحدة من اسوإ وأخطر الخطوات غير محسوبة العواقب.
فرضية واحدة قد تفسر الخطوة العُمانية, وهي فرضية الخروج من سياسة النأي بالنفس والانخراط في الحرب المباشرة وغير المباشرة ضدّ إيران وتفصيها من حالة “الحياد” و”الرمادية” ضدّ طهران, وبالتالي دعم سياسات واشنطن في المنطقة وتأييد حلفائها وخاصة منهم الكيان الصهيونيّ بشكل أوضح.
ف”معادلة التقرب من ترامب من خلال الاقتراب من تل أبيب”, باتت تقريبا معادلة مستحكمة للمشهد السياسي في الشرق الاوسط والحقيقة أيضا أنّ مسقط ليست حالة استثنائية بل هناك من سبقها في هذا المسار.
وقد لا نجانب الصواب أنّ الرمادية مع إيران الضعيفة اقتصاديا والهشة تنمويا في ظلّ العقوبات الأمريكية, إضافة إلى أنّ التأخر في الانضواء صلب التحالف السداسي الذي أعلنه ترامب مؤخرا (السعودية, الإمارات, والبحرين, الأردن, مصر, ) وما سمّاه البعض ب”الناتو” العربيّ, قد يتضمن حمولات لا تريدها مسقط وتداعيات لا تقوى على تحملها أيضا.
وايا كانت الفرضيات والإمكانيات, فإنّ الهرولة بتلك الطريقة المتسرعة والإقدام على قفزة في المجهول السياسيّ, مجانبة لمسار كامل من الرصانة والمسؤولية التي اعتدنا عليها من قبل مسقط.
علمتنا شواهد التاريخ والجغرافيا خلال عقدين الأخيرين من عمر الصراع مع الكيان الصهيوني أنّ الأخير لا يقدم هدايا أو تنازلات إلا إذا كانت السبابة على الزناد, الخيار العسكري مطروحا بالتزامن وبالتوازي مع خيار التسوية…
أمّا الحفاوة في الاستقبال والوداعة في المصافحة فلن تزيد إسرائيل إلا صلفا وعنصرية وصهيونية, والقضية والحقوق الفلسطينية نسيانا وتجاوزا وإهمالا…
أما فلسطين الوجدان والشبان والكيان, فهي باتت تعرف سكة السلامة وسكك الندامة…
*اعلامي وكاتب
Comments