سينما: معاناة الإنسان العربي خلف القضبان في فيلم “شرف”
تابع روّاد أيام قرطاج السينمائية في دورتها الثالثة والثلاثين (29 أكتوبر – 5 نوفمبر 2022) الفيلم الروائي الطويل “شرف” للمخرج المصري سمير نصر، وهو عمل يشارك ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة.
ويسلّط الفيلم الضوء على معاناة الإنسان خلف قضبان السجن من خلال شخصية “شرف” وهو شاب مفعم بالبراءة والطيبة، يدخل السجن بعد جريمة قتل ارتكبها دفاعا عن النفس. وفي عالم السجن يغوص الفيلم في أعماق شخصيته ويتضح أن السجن يستنسخ النظام الطبقي الموجود خارجه.
واقتبس المخرج سمير نصر فيلمه عن عن رواية “شرف” للكاتب الشهير صنع الله إبراهيم، فحافظ على فصولها، لكنه أعطى الفيلم بُعدا عربيا وليس محليّا، وهو ما يتجلّى من خلال اختيار ممثلين من 7 جنسيات عربية لتقمص شخصيات الفيلم، وهي جنسيات من مصر وتونس والجزائر وليبيا وفلسطين ولبنان وسوريا. وقد حافظت كلّ شخصية على لهجتها العامية، باستثناء الممثل التونسي خالد هويسة الذي تحدّث باللهجة المصرية، تجسيدا لدور مدير السجن المصري.
وتكمن طرافة الفيلم من الناحية الفنية في أن المخرج لم يحدّد المكان الذي تدور فيه أحداث الفيلم كما لم يحدّد الزمان، وهذا اختيار مقصود منه ليجعل الفيلم صالحا لأي زمان ومكان في الوطن العربي.
وتتجلّى طرافة “شرف” أيضا في الصورة السينمائية التي قدّمها والتي ارتكزت بالخصوص على ثنائية الضوء والظلمة، فشكّلتهما النوافذ والممرّات داخل السجن. وقد لعبت قتامة الصور دورا في إبراز المعاناة النفسية للسجناء بما هي إحدى أسوأ أشكال التعذيب في السجون، إلى جانب تجنيد السجناء لأغراض تجسسيّة على بعضهم البعض.
مشاهد السجن القاسية التي صوّرها سمير نصر في فيلمه، هي مرآة للعالم الخارجي، وكأنه أراد القول ألّا فرق بين السجن المادي الملموس والعالم الخارجي: فكلاهما سجن للحريات والأفكار وفضاء للميز الطبقي واستفحال الفساد. ولعلّ التقسيم الموجود في السجن بين “سجن شعبي” وآخر “ملكي” هو صورة لهذا الميز الطبقي في المجتمع، فالفضاء السجني الأوّل يتميّز باكتظاظ نزلائه وظروفهم غير الإنسانية، أما الفضاء الملكي فيحوز على جميع سبل الراحة والترفيه.
ويعرّج الفيلم أيضا على عديد القضايا الأخرى التي تهمّ دور المثقف في المجتمع، فالطبيب والمثقف رمزي يعقوب دوّى بصوته عاليا من أجل دفع السجناء نحو التغيير والمنشود من أجل عالم تحفظ فيه الحقوق وتُصان فيه الحريات، ولكن صوت الطبيب الذي أراد معالجة المجتمع، يذهب أدراج الرياح إذ لا مجيب له باستثناء “شرف” الذي جعل منه مخرج الفيلم أملا ونقطة مضيئة في حمل مشعل تغيير الواقع.
Comments