صحف أمريكية: تونس تواجه خطورة صعود رئيس مبتدئ !
تونس- التونسيون
بالرغم من الفروق الصارخة، إلا أن ضبابية البرامج الانتخابية ونقص الخبرة في المناصب العامة هي نقاط مشتركة بين المرشحين اللذين انتقلا إلى الجولة الانتخابية الثانية في تونس، كل من قيس سعيد ونبيل القروي، مما يثير شكوك جديدة على آفاق الاستقرار والنمو الاقتصادي في تونس، المرجح أن تونس ستواجه في عهد الرئيس سعيد أو الرئيس القروي التحدي الغير مألوف بوجود رئيس مبتدئ.
سلّطت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الضوء على الانتخابات الرئاسية التونسية والآمال في الانتقال إلى مستقبل ديمقراطي يواجه تحدياً جديداً، مشيرة إلى أن الناخبين خلال تصويتهم في الجولة الأولى من الانتخابات لقّنوا نخبتهم السياسية توبيخاً حاداً.
سياسيان من الخارج
وأضاف: “بدلاً من ذلك، ظهر اثنان من السياسيين الخارجيين في القمة وسيخوضان انتخابات الإعادة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أحدهما محام دستوري يقول إنه لم يصوّت من قبل. والآخر يملك محطة تلفزيونية وهو في السجن على خلفية اتهامات بالتهرُّب الضريبي وغسيل الأموال”.
ومضى الكاتب يقول: “لم يكن هذا التصويت مجرد رفض للحكومة الائتلافية الحالية، ولكنه يبدو وكأنه رفض للطريقة التي أدارت بها النخبة السياسة الفترة الانتقالية”.
وتابع: “بدا أن التحوّل الديمقراطي في تونس يستفيد من البراغماتية والإجماع على مدار الأعوام الثمانية الماضية”، مشيراً إلى أن اللجنة الرباعية للحوار الوطني التونسي، المؤلفة من أربع مجموعات من المجتمع المدني، فازت بجائزة نوبل للسلام لعام 2015 لتفاوضها الناجح على سبيل للخروج من أزمة سياسية خطيرة قبل عامين عندما كانت العملية الانتقالية على وشك الانهيار.
وأكد الكاتب: “مضى السياسيون في كتابة دستور تقدّمي وبناء نظام سياسي جامع يمنح المجال للإسلاميين وخصومهم السابقين من نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي”.
واستطرد: “لكن كانت هناك علامات تحذيرية على أن سياسة الإجماع هذه سوف تكون جوفاء. كان هناك انخفاض حاد في ثقة الجمهور في المؤسسات السياسية: فقد انخفضت الثقة في البرلمان إلى 14 بالمئة، وبلغت الثقة في الأحزاب السياسية 9 بالمئة فقط، وفقاً لمسح أجرته مؤسسة الباروميتر العربي مؤخراً. وهذا ما يُفسر انخفاض نسبة المشاركة في تصويت 15 سبتمبر/أيلول الجاري”.
وأردف الكاتب: “يُقدم التونسيون مطالبهم السياسية من خلال الاحتجاجات في الشوارع: كان هناك ما يصل إلى 10 آلاف احتجاج كل عام منذ عام 2016. ولم يتم الوفاء بوعود الانتعاش الاقتصادي، ولا تزال معدلات البطالة والتضخم مرتفعة”.
وأوضح: “فاز المرشحان البارزان للرئاسة، المحامي الدستوري، قيس سعيد، وقائد الإعلام المسجون، نبيل القروي، بثلث الأصوات فقط. سيتعيّن على كليهما العمل بجدٍ للفوز بأنصار جدد قبل التصويت المقبل. في النظام التونسي، يكون الرئيس مسؤولاً فقط عن الدفاع والشؤون الخارجية والأمن القومي. كل من سيفوز سيحتاج إلى بناء كتلة من الدعم في البرلمان الجديد لإجراء أي إصلاحات جوهرية”.
وأشار الكاتب إلى أن سعيد يُعارض تجريم المثليّة الجنسية ويُعارض إعادة صياغة قوانين الميراث لصالح المساواة بين الجنسين ويود العودة إلى عقوبة الإعدام، مضيفاً: “ما قد يكون استحوذ على مخيلة الناخبين الشباب هو خطته لتمزيق النموذج الدستوري شبه الرئاسي الحالي لصالح الديمقراطية المباشرة”.
وأردف: “يرى سعيد (غير المدعوم من أي حزب) أن عصر الأحزاب انتهى واقترح نقل السلطة إلى المجالس المحلية المنتخبة التي ستُحدد أولويات الإنفاق المحلية، مع مساءلة كل ممثل عن إمكانية سحب الانتخابات. لكن للحصول على هذه الخطة من خلال البرلمان، سيحتاج إلى أغلبية الثلثين لإعادة كتابة الدستور، وهذا يبدو غير مرجح”.
مكمن الخطورة
وأوضح الكاتب، أن “مكْمن الخطورة يتمثل أيضاً في نجاح منافسه القروي الذي إذا فاز ثم أُدين في القضايا التي يُواجهها ستكون البلاد في أزمة خطيرة”.
ولفت إلى أن إدانة القروي سيضع لجنة الانتخابات تحت ضغط هائل، خاصةً أن المحكمة الدستورية، والتي من المفترض أن تُقرر مثل هذه المسائل، لم يتم إنشاؤها بعد.
ونوّه الكاتب إلى أن حزبه “قلب تونس” قد يكون أحد أقوى الأحزاب في البرلمان الجديد المقرر انتخابه في 6 أكتوبر/تشرين الثاني، إلى جانب حزب النهضة الإسلامي المحافظ.
وزاد قائلاً: “من غير المرجح أن يكون الحزبان حليفين ، لكن سيتعيّن على كل منهما بناء تحالف واسع من الدعم. يأمل العديد من التونسيين في أن يُؤدي هذا الرفض العلني للنخبة السياسية إلى إعادة ضبط النظام وإحياء وعود انتفاضة 2011 بحكومة مسؤولة وشرعية وفرص اقتصادية أوسع للجميع”.
وواصل الكاتب حديثه: “لكن الخطر هو الانزلاق نحو الميول الاستبدادية. لقد كانت هناك بالفعل بعض اللحظات المخيبة للآمال ، بما في ذلك القانون الذي أقره البرلمان والذي قوّض عملية العدالة الانتقالية للجنة الحقيقة والكرامة من خلال منح العفو للموظفين العموميين المتهمين بفساد تاريخي”.
واختتم بقوله “من المحتمل أن يكون الإقبال على الانتخابات منخفضاً في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن غير المرجح أن تُهيمن الأحزاب القائمة. وقد لا يتمكن البرلمان المجزّأ من كبح جماح رئيس طموح. وقد يُكافح مرة أخرى للاتفاق على المرشحين للمحكمة الدستورية، التي يجب أن تكون الضامن النهائي للانتقال السياسي في تونس”.
تصدر الشعبويين
من جهتها، نشرت صحيفة “ذي هيل” الأمريكية مقالاً أكدت هيمنة الأصوات الاحتجاجية على الانتخابات في تونس، لدرجة أنها وضعت الشعبويين في مقعد القيادة.
وأوضح مقال أسامة الرمضاني وزير الإعلام التونسي السابق، وإلين ليبسون، مديرة برنامج الأمن الدولي في جامعة جورج ماسون، أن اختيارات الناخبين في مصلحة مرشحين غير تقليديين بدون خبرة حكومية.
وأوضح الكاتبان، أن النتائج تُلقي بشكوك جديدة على آفاق الاستقرار والنمو الاقتصادي في تونس، متابعين: “المرشحين اللذين انتقلا إلى الجولة الثانية سعيد والقروي يشتركان في ضبابية برامجهما ونقص الخبرة في المناصب العامة”.
وعرض الكاتبان الفروق الصارخة بينهما، قائلين: “يؤمن سعيد بمرحلة انتقالية ثورية جديدة لا يكون فيه للأحزاب السياسية دور قيادي تلعبه، ويسعى لاستبدال النظام التشريعي الحالي بنظام قائم على التمثيل المحلي. وفي السياسة الخارجية، لديه مسحة عربية وإسلامية في مواقفه، ويسعى إلى أن ترفع أوروبا أيديها عن ثروات البلاد”.
وأضافا: “بينما يُعتبر القروي ليبرالياً يتمتع بصلات تجارية وإعلامية دولية قوية. ويتصدّر برنامجه محاربة الفقر وتحسين الخدمات الاجتماعية. وتدعم قناة (نسمة) المملوكة له هوية مغاربية مشتركة والانفتاح على الغرب”.
وبحسب الكاتبين، فإن الناخبين من خلال اختيارهم لاثنين من خارج المؤسسات السياسية، يتنكرون للطبقة السياسية برمتها.
وأردف الكاتبان: “ستواجه الولايات المتحدة واقع التعامل مع رئيس تونسي عديم الخبرة، وربما العديد من أعضاء البرلمان غير التقليديين، بعد الانتخابات التشريعية في الشهر المقبل”.
وأكدا، أنه “من غير الواضح ما إذا كانت تونس ستندرج ضمن فئة الموجة الشعبوية التي تُعاني منها أجزاء من أوروبا، لكن الانتخابات كشفت عن بعض خيبة الأمل العميقة في الحكومة، حيث يشعر الناخبون في هذا البلد بالضجر من الوعود ويرغبون في تجربة زعيم مناهض للمؤسسة”.
وتابع الكاتبان: “يبدو أن بعض تصريحات سعيد السابقة تُشير إلى أنه يمكن أن يحوّل تونس أكثر نحو جذورها الإسلامية والعربية. وهذا يمكن أن يجعل التعاون مع البلد الصغير ولكن الإستراتيجي أكثر صعوبة، وعلى أي حال، أقل قابلية للتنبؤ”.
واختتم الرمضاني وليبسون مقالهما بالقول: “ستواجه تونس في عهد الرئيس سعيد أو الرئيس القروي التحدي غير المألوف بوجود زعيم مبتدئ لديه أفكار قوية ويدرك القيود القانونية والسياسية على سلطته”.
Comments