الجديد

صحيفة “The Guardian  ” .. تراجع ترامب عن الناتو كان متوقعاً لكن إذلاله لقطر والهند ينبئ بفوضى تامة في كل أنحاء العالم

تحلل نسرين مالك – عدد اليوم الاثنين 15 سبتمبر 2025- صحيفة “ذي قارديان” البريطانية – كيف أن سياسات ترامب الخارجية المتقلبة – خصوصًا تجاه الحلفاء التقليديين مثل قطر والهند – لم تعد مجرد مصدر للإحباط، بل أصبحت تهدد بتفكيك التحالفات العالمية، وتُسرّع من انتقال العالم إلى نظام دولي متعدد الأقطاب.

المقال يصف لحظة تحوّل عالمية: لم يعد بإمكان أمريكا (بقيادة ترامب أو غيره) فرض سياساتها دون رد فعل، كما تشير الى إن استهانة ترامب بحلفائه تقودهم إلى إعادة التفكير في تحالفاتهم، مما يفتح الباب أمام تعدد الأقطاب في السياسة العالمية.

يجتمع القادة السياسيون في قمم واجتماعات عُقدت على عجل. الأسبوع الماضي، وبعد ضرب إسرائيل لقادة حماس في الدوحة — وهو انتهاك هائل لسيادة دولة ليست فقط حليفة وثيقة للولايات المتحدة، بل أيضاً محور مفاوضات السلام في غزة — خرج قادة الخليج ليُظهروا تضامنهم. وصل رئيس الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، إلى الدوحة في زيارة غير مجدولة واحتضن أمير قطر في مشهد علني من الأخوة، وهو مشهد كان من غير الممكن تخيله منذ بضع سنوات فقط حينما كانت الدولتان منهكتين في خصومة مريرة. ودعت السعودية بعد الغارة الإسرائيلية إلى “رد عربي وإسلامي ودولي لمواجهة العدوان” واعتبرت ممارسات إسرائيل “إجرامية”. وفي يوم الأحد، كان رؤساء دول عربية وإسلامية في طريقهم إلى الدوحة لعقد قمة طارئة. .

أكثر من ذلك بقليل من أسبوع، تمت دعوة قادة الهند، الصين وروسيا إلى اجتماع في تيانجن، حيث بدا المشهد ودّيّاً ومبتسماً، وهو مشهد ربما يكون مجرّد تجسيد لعصر جديد. عُقدت القمة بعد أن تسبب ترامب في نفور حليف آخر، ناريندرا مودي. بعد إعادة انتخاب ترامب، كان مودي من أول القادة الذين زاروا واشنطن، وُصف هناك بأنه “صديق عظيم”، وحدّدا هدف مضاعفة حجم التجارة بين البلدين إلى نصف تريليون دولار بحلول عام 2030. لكن بعد بضعة أشهر فقط، فرض ترامب على الهند رسوماً جمركية بنسبة 50٪ على الواردات، كعقوبة لشرائها النفط الروسي. ثم وصف اقتصاد الهند بأنه “ميت”، وعلّق على قمة تيانجن قائلاً: “يبدو أنّنا خسرنا الهند وروسيا لصالح الصين الداكنة والعميقة”. والآن، يعمل على الضغط لأوروبا لفرض رسوّم محتملة تصل إلى 100٪ على الهند والصين.

قبل بضعة أشهر من تلك الغارة الإسرائيلية على الدوحة، قال ترامب — أثناء زيارته للعاصمة القطرية — “دعونا نشكر على نعمة هذه الصداقة”. يبدو أن كونك “صديقاً لترامب” لم يعد ضماناً للعلاقات الجيدة، بل أصبح بمثابة إنذار بأنك معرض لأن يُطَوى تحت العجلة. بعض هذه التجمعات، والبيانات الجديدة للتضامن، وتركيز التحالفات الإقليمية، في بعض الجوانب تكون للمظهر فقط؛ فالهند وقطر ليسا مهتمين بأن يعاديا ترامب علناً. ردود فعلهما الغاضبة وتأدياتهما الودية هي رسالة مفادها أن هناك خيارات أخرى، وأنهما ليسا رهينين تماماً للولايات المتحدة. الحلفاء الذين خانهم ترامب عليهم أن يوازنوا بين استجابتهم للإهانة الأميركية وبين حساباتهم الداخلية والإقليمية.

لكن من جهة أخرى، هذه المحاولات أيضاً هي محاولات حقيقية لاستكشاف ما هي التجمعات الجديدة للقوى التي يمكن أن تتشكل. ما يعتمد عليه ترامب، وبقدر ما نتانياهو أيضاً، هو أنهما يستطيعان أن يكونا ما يُعرف في المالية بـ “صانع السعر” أو “المنظم السعري” — أي الطرف القادر على تحديد تكلفة الأمور في سوق غير تنافسي. إسرائيل تستطيع قصف من تشاء، الولايات المتحدة تستطيع انتهاك المعاهدات الأمنية وفرض الشروط الاقتصادية، ولا أحد يملك حقّ الرد.

افعل هذا لفترة طويلة، ومع ذلك، سيبدأ الفاعلون العقلانيون بالبحث عن طرق للتكيف مع هذه الظروف غير المثالية. ليس لأن هذه الدول المُنَعَزِلة حديثاً تعترض على القوة العسكرية للولايات المتحدة أو إسرائيل؛ بل لأن دول الخليج تحديداً قد عملت بحماس على إرضاء الولايات المتحدة، واحتوت العلاقات أو طبّعتها مع إسرائيل. التمحور يُدرس الآن لأن ترامب غير متوقع، وإسرائيل خارجة عن السيطرة. الناس يراجعون مصالحهم، يحسبون ما لدى كل منهم، كيف يمكن جمعه وتقويته. لن يكون هناك نقص في الدول التي تشعر بالقلق وتبحث عن رفقاء جدد — فحينما تخون حليفاً مقرباً، يدرك الجميع أنهم لا أحد بأمان.

من اللافت كيف أن الإمارات، الموقّعة على اتفاقيات إبراهيم، انتقدت إسرائيل بصوت عالٍ غير معتاد منذ الغارة على قطر. بالفعل، يُعاد استجواب مصير هذه الاتفاقيات. في تيانجن، دعت الصين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون إلى استغلال أسواقها الضخمة لتعزيز التجارة والاستثمار فيما بينهم، وأعلنت عن “مبادرة للحكم العالمي”، وهي محاولة واضحة لتموضع الصين وحلفائها كمؤيدين لنظام عالمي جديد. حضر القمة كذلك دول مثل تركيا ومصر، اللتين تواجهان الضغط السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط.

في هذه المرحلة الجديدة من السياسة الخارجية لترامب، يُتبلور قلق بشأن كونه لا يمكن الاعتماد عليه، إلى فهم بأن الإفراط في التعويل على نزوات هذا النظام خطير تماماً، لأنه لا يوجد استثمار يُثمر مع هذا النوع من الحكم. صانع الصفقات القاسي يكون جديراً بالاعتبار عندما يلتزم حتى بالصفقات السيئة؛ ترامب خرَق هذا المبدأ. وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، لم يعدْ يبدو أنّه يمكن اقتناعه، أو تملّقه من الدول العربية؛ إنه ببساطة لا يملك الوقت أو الانضباط لتجنّب توسّع الصراع بما يعيد رسم الخريطة المادية والسياسية في الشرق الأوسط. إنه إمبراطور كسول ومتقلب، يجلس فوق أمة تمزّقها العنف والأزمات.

التحول العالمي بدأ يظهر، بطيء، معقد، وربما مقلق للدول التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات اقتصادية وعسكرية. الولايات المتحدة هي أكبر اقتصاد استهلاكي في العالم، وظلالها الأمنية ومبيعات أسلحتها تُشكّل ركائز الاستقرار للعديد من الدول، لا سيما في العالم العربي. لكن الخيار الآن أمام العديد من الحلفاء الأميركيين هو: إما أن يتخلّوا عن سيادتهم للترامبيين، أو يجدوا سُبُلاً للحفاظ عليها بوسائل أخرى، من دون أن يجعلوا الرئيس الأميركي عدواً لهم.

أنّ الأخير — أي الحفاظ على السيادة بالطرق البديلة — لابد أن يتم بحذر، قد يعطي الانطباع بأن الصفائح التكتونية لا تتحرّك. لكن الوتيرة غير المسبوقة التي تتشابك فيها الدول حرفياً مع بعضها البعض تشير إلى خلاف ذلك. في هذه اللحظة، قد يرى ترامب ونتنياهو في القمم والبيانات أنها عروض تافهة من الدول الضعيفة، لكن قوة دولتيهما جزئية نفسية. وقد بُني التسامح معهما على فهم بأن الجميع في حالة مشاركة للحفاظ على الوضع الراهن، الذي يعني ألا تُقصف حلفاءٌ ولا تُدمَّر اقتصاداتهم. ومتى ما كُسِر هذا السحر، تنتهي كل الرهانات.

الرابط الأصلي للمقال

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/sep/15/trump-qatar-india-israel-middle-east-saudi-uae-modi-nato?CMP=fb_gu&utm_medium=Social_img&utm_source=Facebook&fbclid=IwZnRzaAM09k5leHRuA2FlbQIxMQABHmOwJ73s3PAi3zVCztGjfjDw-7wGsdTvytP59B51OmXVbIJpNw2efD2P_F1I_aem_LrprvbkWhGIVzsyA7uXbCQ#Echobox=1757941268

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [ View all posts ]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Go to TOP