صفاقس: اضراب عام جهوي .. الدلالات والرسائل
خديجة زروق
لعبت صفاقس – مدينة و جهة – دورا هاما في أهم التحولات التي عرفها المجتمع التونسي منذ خمسينيات القرن الماضي. و من العلامات اللافتة لهذه التحولات أن الاتحاد العام التونسي للشغل قد كان اللاعب الأهم و المحدد فيها.
يمكن أن نستحضر مؤتمر ” البعث ” للحزب الدستوري سنة 1955 و الذي حسم صراع الزعامة و التوجهات داخل الحركة الوطنية لفائدة الحبيب بورقيبة و ساهم بالتالي في تحديد ملامح الساعات الأخيرة للنضال ضد الاستعمار ومرحلة ما بعد الاستقلال.
و أعطت صفاقس سنة 1977 للخلاف الذي تحول إلى مواجهة مفتوحة بين الاتحاد العام التونسي للشغل و النظام السياسي زخمه و وجهته بوصفها في تلك الفترة الجهة التي تنحدر منها أغلب القيادات النقابية و التي تمثل مركز الثقل في الإقتصاد التونسي.
و لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن 14 جانفي 2011 دون الحديث عن الإضراب العام الذي عاشته مدينة صفاقس يوم 12 جانفي 2011 و الذي شكل من خلال زخمه و ما رافقه من أحداث دليلا على نهاية نظام زين العابدين بن علي.
و لا شك أن لكل حدث من الأحداث التي ذكرنا سياقه التاريخي و دلالاته السياسية و المجتمعية و لكن ما يجمع بينها هو ارتباط أهم محطات مسيرة الاتحاد العام التونسي للشغل بصفاقس .
و لا شك أن قيادات الاتحاد المركزية و الجهوية لم يفتها ذلك و هي تقرر الإعلان عن إضراب عام جهوي يوم 12 جانفي 2021 .
يأتي هذا الاضراب حمالا لعدة أوجه، فهو احتفال بالذكرى العاشرة للإضراب العام الجهوي الذي أطلق رصاصة الرحمة السياسية على الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي و لكنه يتنزل من النواحي السياسية و الإقتصادية في سياقات أخرى.
سياقات تدل على أن مياها كثيرة جرت في النهر و تحت الجسر، وأن هناك من الناحية الموضوعية شعورا معمما في الجهة بالإحباط و بأن الجهة لم تغادر مربع التهميش الذي حشره فيها الرئيس الأسبق و أدى إلى تفكيك نسيجها الصناعي.
و تراجع دورها و اشعاعها و إلى هيمنة القطاع الموازي بكل انعكاساته السلبية على البنية الإجتماعية بل يبدو أن عدم إنطلاق ركب المشاريع الكبرى أدى إلى تفاقم الظواهر الاجتماعية السلبية .
و على هذه الخلفية الإجتماعية يمثل الإضراب العام الجهوي إلى جانب أبعاده المطلبية محطة لتوجيه رسائل سياسية مضمونها التعبير عن الانزعاج من السياق السياسي الحالي المفتوح على احتمالات سلبية و ” الضغط ” من أجل إقناع الجميع بضرورة الإسراع لعقد الحوار الوطني الذي يدعو إليه الاتحاد العام التونسي للشغل.
و لكن هناك أيضا ” رهانات ” أخرى ينطوي عليها الإضراب العام الجهوي و ترتبط بما تعيشه المركزية النقابية من تجاذبات ترتبط بتنقيح النظام الداخلي و أيضا بأن جهة صفاقس قد ” انحازت” في انتخابات 2019 التشريعية و الرئاسية لقوى سياسية تقف سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا في الجهة المناقضة تماما لتلك التي تقف عليها تقليديا الحركة النقابية.
و هو ما يعني أن نتيجة الإضراب العام الجهوي ستكون مهمة على أكثر من مستوى و ستساهم إلى حد كبير في رسم ملامح الأشهر المقبلة على الصعيد الوطني سياسيا و اجتماعيا.
Comments