عبد المجيد الصحراوي يتحدث عن النقابي الكبير الحبيب عاشور في الذكرى ال 20 لرحيله
تونس- التونسيون
تحلّ اليوم 14 مارس 2019، الذكرى العشرون لوفاة الزعيم الوطني و النقابي الحبيب عاشور. عشرون عاما مذ غادر “أسد الساحات” الدنيا، و دخل التاريخ. الحبيب عاشور من مؤسسي الاتحاد العام التونسي للشغل، و رفيق درب الشهيد فرحات حشاد و الزعيم الوطني أحمد التليلي، لكنه “الصديق العدو” ايضا، للزعيم الحبيب بورقيبة.
في هذه الذكرى، التقينا في موقع “التونسيون” بالنقابي عبد المجيد الصحراوي “الزعيم” كما يُناديه الجميع. أردناه حديث الذكريات و الصراحة. تذكّر للحبيب عاشور، و استحضار للمبادئ و القيم التي بُني عليها الاتحاد و كرّسها عاشور في مسيرته النضالية، زمن الاستعمار، و زمن “الوحدة القومية” و زمن الصراع، مع نظام الحزب الواحد. الصحراوي، يُعدّ من جيل المناضلين الأفذاذ في تاريخ اتحاد الشغل، تحمّل تبعات انخراطه المبكّر في النضال العمالي، و سُجن و حُوكم في العهدين. تسرح به الذكريات الى سنة 1978، سنة المحنة، يقول الصحراوي: ” كنت من النقابيين الذين شملهم الايقاف و المحاكمة.. تمت نُقلتي موقوفا من سوسة الى السجن المدني بــ 9 افريل بالعاصمة، و نالني هناك شرف التعرّف على الزعيم الحبيب عاشور، لتمتد علاقتي به، و التي تحولت الى صداقة ذاتية حتى وفاته… و ظللت وفيّا له و لمبادئه، و مازلتُ، و قد تخلّى عنه و عنها الكثيرون”.
عاشور .. النقابي الصلب
كان عاشور مدرسة في الصلابة و قوة البأس، فقد تم بسرعة تنظيم محاكمات قائمة على تُهم ملفقة… لم تنل من عزم عموم النقابيين، المؤمنين بمبادئ الاتحاد و التي سُجن من اجلها عاشور و رفاقه، مبادئ يُمكن اختزالها في تجذير استقلالية المنظمة على الحزب الحاكم من جهة، و على الاحزاب “المعارضة” من جهة ثانية. يقول الصحراوي: “كانت استقلالية المنظمة من هواجس عاشور، فقد كان يقول، اريد ان افرض موقف الاتحاد في الحزب، و ليس العكس… ” و يُضيف الصحراوي “للاسف أين الاتحاد اليوم من هذا، فمنذ منتصف التسعينات تم تدجينه لفائدة بن علي، و تواطأت قيادته مع الحزب الحاكم و مع بن علي نفسه، لتدجين الاتحاد، بل ان الكثير من قيادات الاتحاد شاركت في الانتخابات التشريعية، و ناصرت بن علي في الرئاسيات… و تم اقصاء القيادات النقابية المتمسكة باستقلالية المنظمة، و محاصرتها و هرسلتها و محاكمة بعضها… و تم لاجل ذلك تدليس المؤتمرات منذ مؤتمر الكرم 1 الى الكرم 2 فمؤتمر جربة لاقصاء الخط النقابي العاشوري، اذكر اني و علي رمضان و حليم شعبان و عبد الجليل البدوي و شاكر بن حسين و حامد بنجيمة و آخرون تقدمنا بطعون للمحكمة، و لكن قضاء بن علي المستقل جدا، رفض حتى قبول الشكوى”.
الاستقلالية النقابية
كانت الاستقلالية مبدأ آمنت به و دافعت عنه لاني تعلمته مباشرة من الحبيب عاشور، أذكر، يقول الصحراوي: ” ان حامد القروي دعاني الى مكتب والي سوسة الحبيب دلدول، و اقترح علي ان اكون في قائمة التجمع لانتخابات 1989، لكني رفضت.. و تم تعويضي بحاتم بن عثمان ” هؤلاء احياء و شهود على التاريخ… “انا من قماش آخر”… لست متكالبا على المناصب… لو اردت لنلت ما أريدُ. للتاريخ، و حتى تعلم قيادة الاتحاد الحالية، و التي هي امتداد للقيادة التي بدأت مع اسماعيل السحباني، و التي جنّد فيها بعض “اليسار النقابي” لتحسين صورة الاتحاد مع السلطة مقابل تدجينه، انه تم طردي سنة 1996، و تم وضعي تحت الاقامة الجبرية، و هربت لأدخل في السرية، لأني شهّرت بفساد السحباني و بطانته و من كان معه…. و بعد خمس سنوات، يتم ايقاف الامين العام و حُوكم بتهمة الفساد، السحباني تحمل بمفرده ثمن فساد كبير، و الحال ان غيره كان فاسدا و ظل حرا طليقا”.
أين الاتحاد اليوم من قيم الحبيب عاشور؟
اضافة الى الاستقلالية و التي “صارت” من الماضي في الاتحاد اليوم، إذ تم اختراقه خاصة بعد 2011، من الجميع، نهضة و قوميين و جبهة شعبية، فان القيادة الحالية لم ترد الاعتبار لجيل الرواد من المناضلين، و تكتفي باحياء ” بروتوكولي” لذكرى وفاتهم او ميلادهم، و تُعلّق صورهم في مقرات الاتحاد. الاعتبار الوحيد الممكن هو في احياء قيم الاستقلالية و تجذير الخيارات الاجتماعية الوطنية، و الدفاع على المرافق العمومية و المكاسب الاجتماعية التي ضحى من اجلها الرواد. قيادات اليوم لم يُصعّدها النضال النقابي، بل المحاصصة الحزبية و الجهوية…. قديما كانت القيادة ممثلة للقطاعات مع مراعاة التوازنات الجهوية، اما اليوم فان كل القيادة (13) من القطاع العام الذي لا يُمثل ثقلا في منخرطي الاتحاد، بل ان جلها من التعليم، القطاع الخاص الذي يفوق الــ 80 في المئة غير ممثل بتاتا. زد على ذلك ان جهات ذات اهمية كبرى كنابل و سوسة و المنستير و بنزرت و قابس غير ممثلة. ثمة محاصصة سياسية و جهوية مهيمنة على الاتحاد… تجعل من المصالح الفردية و الحزبية و الجهوية متقدّمة على المصالح العليا للبلاد و الاتحاد”.
نظرتك سلبية سي عبد المجيد لدور الاتحاد اليوم؟
نعم. الاتحاد لا يتفاعل بعقلانية و سرعة مع التحولات الاجتماعية و السياسية و حتى الثقافية في البلاد.للذين جاؤوا صدفة للاتحاد، اريد ان أذكّر ان الاتحاد ربح كل معاركه في الاوقات الصعبة، لان الشعب كان ملتفّا حوله. كان الناس يرون فيه الحامي لمكاسبهم و الضامن للتوازن امام تغول الحزب و السلطة. كان خيمة الجميع اليها يلجؤون… الآن بعض القطاعات و قياداتها، تساهم في تخريب الاتحاد، و في تنفير الناس منه، بل و في تشويه معنى النضال النقابي اصلا. بعض القيادات تتحكم في سلوكاتها مصالحها الفردية وولاءاتها الحزبية، و هي مقدمة عندهم على مصالح الاتحاد و الشعب و الوطن.”
القيادة الحالية للاتحاد غير قادرة بتركيبتها الحالية على التفاعل الجدي مع المستجدات السياسية و الاجتماعية و لا على التأقلم مع الواقع الديمقراطي الجديد و لا مع منطق “العصرنة” لان هيكلة الاتحاد موروثة منذ عقود و تتميز بالبطء و الثقل. يمكن ان نضيف ايضا فضيحة “تمثيلية” المرأة في قيادة الاتحاد. امرأة وحيدة في منظمة “تقدمية” و فيها قطاعات كبيرة صارت قطاعات “مؤنثة” كالبنوك و التعليم و الصحة.
لكن الحبيب عاشور كان منخرطا مباشرة في العمل الحزبي؟ و انت ايضا، التحقت بالنداء ثم علمنا مؤخرا انك التحقت بحركة تحيا تونس؟
الحبيب عاشور زعيم وطني ثم نقابي. بل انه حسم مسألة الصراع البورقيبي اليوسفي، في مؤتمر صفاقس لفائدة بورقيبة لانه رأى ان المصلحة الوطنية تستوجب ذلك. اختار التيار العصري الوطني على التيار المحافظ العروبي. و التاريخ اكد حسن اختياره. و لكن الحبيب عاشور هو الذي قال لا لبورقيبة وواجهه عندما حاول السيطرة على الاتحاد منذ منتصف الستينات، و اكمل الثلاثين سنة الاخيرة من حياته في صراع مع الزعيم بورقيبة. عاشور صاحب مشروع وطني اجتماعي يعمل على تنفيذه، انتماؤه للحزب كان بهدف فرض السياسات و افتكاك المكاسب.
حاولت ان اقوم بنفس الشيئ. انا كنت “شخصية نقابية معروفة عربيا ودوليا.. التقيت بزعماء افذاذن صدام حسين و ياسر عرفات و القذافي و علي الكافي، انا أؤمن بان التيار الوطني الاجتماعي يجب ان يخترق كل الاحزاب. لذلك دخلت النداء، دفاعا على مكاسب الشعب التونسي السياسية و القيمية و الاجتماعية من تهديد الاسلام السياسي، و لتجذير الخيار الاجتماعي في حزب “لبرالي” و كنت من ممثلي الرافد النقابي، لما تأكدت من استحالة ذلك غادرت.
بالنسبة لتحيا تونس، دخلت في مهمة محددة، هي تجذير الخيارات الاجتماعية. هذا اساس العمل السياسي و النقابي مثلما تعلمته من أجيال الرواد و الشهداء في تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل”، أريد ان أكون صوت المبادئ الوطنية و حامل لواء الخيارات الاجتماعية.
انا و لاني ديمقراطي، أؤمن بالتعددية النقابية. الامر موكول للشغالين في اختيار من يُمثلهم. قمة النفاق السياسي و النقابي، ان تدعي انك مع التعددية السياسية و الحزبية، و تكون ضدها في النقابات. اعتقد ان الامر ليس مبدئيا، بقدر ما يتعلق بمسألة المصالح و الفوائد الذاتية.
هل ثمة من يُشبه الحبيب عاشور اليوم؟
لا اعتقد. ليس كل من يدعي انه عاشوري هو كذلك. بعض قيادات اليوم انخرطت في الاتحاد تقريبا مع وفاة الحبيب عاشور. مثلما اسلفت الحبيب عاشور من جيل المؤسسين، هو في مرتبة الحامي و حشاد و التليلي و بورقيبة. ثم ان عاشور حامل مشروع قائم على قيم و مبادئ: استقلالية المنظمة، الخط الوطني الاجتماعي، نظافة اليد و الصدق. هذا ما تعلمناه على الحبيب عاشور. رحم الله الحبيب عاشور كان زعيما فذّا. جمع الى العمل الوطني النضال الاجتماعي.
Comments