عبد المجيد المسلمي يكتب عن “الصراعات في البرلمان التونسي”
عبد المجيد المسلمي*
من الطبيعي أن تتجه أنظار كل التونسيين إلى مجلس نواب الشعب. فهو مركز السلطة و القرار في تونس باعتبار أن النظام السياسي هو بالأساس نظام برلماني معدل بجرعة من الرئاسية.
و لكن التجاذبات و الصراعات التي يشهدها بين الفينة و الاخرى مثل الذي شهدناه مؤخرا بين كتلة إئتلاف الكرامة و كتلة الدستوري الحر تثير لدى شرائح كثيرة من التونسيين مشاعر مختلطة من السخط و القرف و الخوف و هذا أمر طبيعي في ديمقراطية ناشئة.
يجب التذكير بان المجلس التأسيسي و البرلمان المنبثق عن انتخابات 2014 و البرلمان الحالي شهدت هي بدورها صراعات و تجاذبات و عنف لفظي و احداث مضحكة و أحداث مبكية. و هي مظاهر نجدها أيضا في كل البرلمانات الديمقراطية.
تحقير غير مبرر للبرلمان التونسي
خلافا لبعض الشعبويين الذي يسعون للإساءة لصورة البرلمان يجب الإعتراف بأن تلك الصراعات لم تمنع تلك البرلمانات من أداء مهامها و التي هي بالأساس التشريع و إنتاج القوانين.
فالمجلس الوطني التأسيسي أنتج الدستور و جملة من القوانين. و البرلمان الذي ترأسه السيد محمد الناصر أنتج قرابة 300 قانون هي ربما من أرقى و أهم القوانين التي عرفتها بلادنا في تاريخها.
و يمكن أن نتفهم تخوف و جزع العديد من التونسيين أمام مظاهر ذلك الصراع بين الفرقاء السياسيين في البرلمان. فربما يحسبون أن تلك الصراعات قد تهدد الإستقرار السياسي و الإجتماعي و بالتالي تؤثر على حياتهم و حياة عائلاتهم. لذلك نرى البعض منهم يطالبون بحل البرلمان و إرساء سلطة قوية استبدادية.
و هناك شق أخر يستغل تلك الصراعات البرلمانية ليطالب بعودة الديكتاتورية نتيجة قناعات فكرية و إيديولوجية بأن الديكتاتورية هي النظام الأنسب للشعب التونسي باعتباره غير جاهز للديمقراطية حسب رأيهم طبعا.
و هناك شق أخر يدعو إلى إرساء الديكتاتورية لأنهم يعتبرون أن النظام الديمقراطي المبني على الشفافية و الحوكمة الرشيدة لا يخدم مصالحهم و الحال انهم كانوا مستفيدين من نظام الإستبداد و الفساد.
إما الصراع في البرلمان أو الصراع في الطريق العام
قبل ظهور البرلمان عمل الإنسان على استباط هياكل تسمح بالحوار العلني بين المواطنين و اتخاذ القرار بطريقة جماعية مثل l’agora في اليونان القديمة أو Senat في عهد الإمبراطورية الرومانية.
و يعود ظهور البرلمان إلى الثورة الرأسمالية منذ القرن 18. فالبرلمان هو نتاج للفكر البورجوازي. لذلك أطلق الماركسيون عليها مصطلح الديمقراطية البورجوازية . فهي تعتمد على التمثيلية النيابية أي أن نوابا منتخبون يمثلون بقية الشعب و يسيرون الشؤون العامة نيابة عنهم. لقد مثل البرلمان إضافة لدوره التشريعي إطارا لتأطير الصراع السياسي في المجتمع.
فالأحزاب المتواجدة في البرلمان و عوض أن تتصارع في الشارع و الفضاء العام تتصارع في البرلمان. و هي ألية أوجدتها الديمقراطية لتأطير الصراعات و التناقضات في المجتمع و كبح جماحها و تنفيسها حتى لا تصل إلى الإنفجار و الثورة. و حتى إذا بلغ الإحتقان أشد درجاته يتم تغيير الإئتلاف البرلماني الحاكم و حتى الحكومة.
و خلال الفترة النيابية السابقة عمد البرلمان التونسي صاحب السلطة الأصلية إلى تغيير رئيس الحكومة الحبيب الصيد ثم تغير الإتلاف الحكومي 3 مرات و تم عرض الحكومى على الثقة 4 مرات إجماليا..و هي طرق استنبطتها الأنظمة البرلمانية للتنفيس عن الإحتقان السياسي و الإجتماعي. وربما يستعد البرلمان الحالي لتغييرات أصبحت ضرورية في الإئتلاف الحاكم و في الحكومة
النظام البرلماني و إدماج التيارات الراديكالية
تسعى الديمقراطية البرلمانية إلى إدماج أكثر التيارات الراديكاية في منظومتها . فبعد أن تكون ثورية و رافضة للوضع برمته و تعمل على إسقاطه تخضع تلك الأحزاب إلى عملية طوعية لتقليم الأظافر. فتصبح جزءا من المنظومة و تندمج فيها بقربها من السلطة و تواجدها في مفاصلها مما يجعلها أكثر واقعية و تنسيبا لمواقفها. فطبيعة العمل البرلماني تفرض على جميع التيارات التعامل فيما بينها و نبذ الإقصاء.
و قد رأينا مثلا عبير موسي تقف مع راشد الغنوشي في أزمة الكوفيد و حركة الشعب تنسق مع الدستوري الحرحول لائحة ليبيا و إئتلاف الكرامة يتحاور مع كتلة المستقبل و الإصلاح..
فالديمقراطية البرلمانية ذات ديناميكية “إدماجية” une dynamque inclusive و هي ديناميكية ترفض الإقصاء. لذلك ننتظر و بعد هذه العهدة البرلمانية أن تتكفل الديمقراطية البرلمانية بتقليم أظافر التيارات الراديكالية مثل الدستوري الحر و إئتلاف الكرامة لتصبح قابلة بقوانين اللعبة الديمقراطية دون توجهات إقصائية أو نزعات فاشية. قد لا تتمكن هذه التيارات من الإندماج و تحافظ على توجهاتها المنافية للديمقراطية. عند ذلك لن يكون أمامها سوى الإندثار..و الأمثلة في المشهد التونسي عديدة. فالديمقراطية تفرض على الجميع صراطا مستقيما.
*( قيادي في حركة تحيا تونس)
Comments