عبد المجيد المسلمي يكتب ل “التونسيون”: “قيس سعيد يتجه لإرساء حكم فردي استبدادي”
عبد المجيد المسلمي *
تفاعلا مع تدوينة الاستاذ احمد نجيب الشابي: فعلا الرئيس قيس سعيد يتجه لإرساء حكم فردي استبدادي…و لكن الحل ليس في النظام الرئاسي.
أوافق الاستاذ احمد نجيب الشابي في التشخيص بان الرئيس قيس سعيد يسعى الى الهيمنة على دواليب الحكم و ارساء حكم فردي استبدادي. و احييه على هذا الموقف و هو ليس غريبا عنه و هو المناضل التقدمي و الوطني الذي لا يهاب قول الحق و ناضل ضد الاستبداد و الديكتاتورية و لا يخشى في ذلك لومة لائم.
و تأكيدا لما دونه فان الرئيس قيس سعيد سعى فعلا لتعيين الياس الفخفاخ ثم هشام المشيشي كرؤساء حكومات موالية له. ثم يعلم الجميع كيف انه اراد التخلي عن المشيشي في اخر لحظة لأنه خرج من سيطرته.
ثم سعى لتعيين وزراء مقربين منه في الحكومة. ثم عندما اراد المشيشي اقالتهم في نطاق صلاحياته رفض قيس سعيد اداء اليمين للوزراء الجدد انتقاما ” لوزراءه””، كما يعبر رفض الرئيس قيس سعيد ختم قانون المحكمة الدستورية عن رغبته في عدم ارساء هذه المحكمة هروبا من اي رقابة دستورية على اعماله.
و يمثل تنصيب نفسه كرئيس للقوى الامنية في مخالفة صريحة للدستور سعيا محموما من طرفه للسيطرة على دواليب السلطة التنفيذية و الدولة لأهداف مجهولة. فالرئيس ليس له برنامج اقتصادي و اجتماعي و سياسي واضح و متكامل سوى بعض الشعارات الهلامية حول مقاومة الفساد و مساعدة البؤساء و غيرها من العبارات الجوفاء.
و لكن لا اوافق الاستاذ احمد نجيب الشابي في دعوته الى ارساء نظام رئاسي و اجراء الاستفتاء. فمن جهة فان النظام الرئاسي هو المدخل الاساسي للاستبداد خاصة في بلدان الانتقال الديمقراطي.
في حين ان النظام البرلماني و رغم هناته يوفر اقصى الضمانات لعدم العودة لمربع الاستبداد و الحكم الفردي. فانك ترى ان اكثر البلدان ديمقراطية و تقدما هي البلدان التي اختارت انظمة برلمانية ( اليابان..المانيا..بريطانيا..البلدان الاسكندينافية..) في حين ان الانظمة الديكاتورية هي انظمة رئاسية ( روسيا..تركيا..مصر… ).
من جهة اخرى فان هذا السجال حول طبيعة النظام السياسي ليس مجاله الان لان قيس سعيد يستغل في عملية استحواذه على اجهزة الدولة و في اطار نزوع عديد التونسيين الى الحكم الرئاسي و الاستقطاب مع حركة النهضة.
و من شان الدعوة لنظام رئاسي ان تصب الماء في طاحونة قيس سعيد و تدفعه لإرساء نظام رئاسي مطلق و فرض الامر الواقع عنوة خارج اطار الشرعية الدستورية بحجة الاستجابة للرغبة الشعبية.
اما موضوع الاستفتاء فهو قضية مغلوطة لأنه يفترض توافقا وطنيا شاملا لجمع موقف ثلثي البرلمان و هو غير متوفر اصلا في ظل الانقسام الحاد للطبقة السياسية. لذلك فإنني اعتبر بان الاولوية الان هي للدفاع عن مؤسسات الدولة من تغول الرئيس و ارساء المحكمة الدستورية ثم النظر في تنظيم الاستفتاء اذا توافقت الاحزاب السياسية على ذلك.
كما انه من الضروري مواصلة الضغط على الرئيس للاستجابة للدعوة التي اطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل لاجراء الحوار الوطني.
و أعتبر أنه من الصادم حقا و المخجل ان تصطف بعض القوى اليسارية و التقدمية وراء الرئيس قيس سعيد نكاية في النهضة عملا بالمبدأ الساذج: عدو عدوي هو صديقي.
فالرئيس قيس سعيد يحمل برنامجا شعبويا محافظا و رجعيا سواء في قضايا الحريات او الديمقراطية او مساواة المرأة و الرجل او توظيف الدين في السياسة. فالقوى التقدمية و الديمقراطية تعتمد بصورة جوهرية على استقلاليتها السياسية و التنظيمية و لا تصطف وراء قوى رجعية ضد قوى رجعية اخرى.
ان الاولوية الان لكل الاحرار و الديمقراطيين و التقدميين هو التصدي لتغول الرئيس و انزياحه نحو الحكم الفردي و الديكتاتورية و ذلك من اجل الحفاظ على الحريات و الديمقراطية التي هي مكاسب جوهرية للتونسيين و التونسيات.
Comments