عشية الاستفتاء .. الانقسام الكبير
شعبان عبيدي
يتشّوف غالبية التّونسيين ليوم الخامس والعشرين من شهر جويلية الجاري، اليوم المحدّد للاستفتاء، بعد سنة تقريبا من إعلان رئيس الجمهورية التّونسية قيس سعيد لحالة الاستثناء السياسي، الّتي أزاح فيها بموجب سلطته وقراءته القانونية كلّ الهياكل الدّستورية، الّتي كانت قائمة، وجمع بين يديه مختلف السّلط.
وتبدو هذه الانتظارات مشوبة بكثير من التخوّف والرّيبة ، وهو ما تدركه على ألسنة التّونسيين وفي كلامهم: هل سيكون يوم الاستفتاء يوما عاديّا ؟ وهل سيكون إقبال التّونسيين على الاستفتاء شعبيّا خاصّة وأنّ هذه العملية ليست عملية انتخابيّة برلمانية أو رئاسية تختلف فيها المواقف والولاءات بل هي ممارسة شعبيّة تريد أن تعبّر من خلالها الجماهير المدعوّة للمشاركة عن موقفها من دستور الرئيس الّذي نابها عن كتابته وكفاها مؤنة شرّ القتال في تحبير فصوله؟.
أنصار و معارضين .. الانقسام سيد الموقف
في هذه العتبة الأولى تبدو الأمور غير واضحة ولا جليّة سواء عن شقّ المناصرين والرّافعين لراية “نعم” جوابا عن السّؤال الموجّه للاستفتاء (هل أنت مع الدّستور الجديد؟) أو شقّ المعرضين لمسار الخامس والعشرين من شهر يوليو والرّافعين لراية (لا لدستور الرئيس النّاسخ لدستور 2014) .
وبين الرايتين (نعم –لا) على مثال علم التنعيم الذي سمعه الخليل ابن أحمد الفراهيدي من الشيخ الذي يعلّم الصبية العروض وهم يردّدون: نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم). فالغالبية لم تتطلع على الدّستور الجديد بل هي في نسبة مئوية كبيرة لا تمتلك أدوات الوعي الانتخابي، بل هي تتّجه إلى الوسم ب “نعم” ثقة في الرئيس قيس سعيد بل قل هي عملية انتخاب له ولدستوره، وهو نفس الأمر الذي ينسحب على لفيف المعارضين للدستور باستثناء القيادات هنا وهنا وهناك.
ولهذا نرى أنّ معركة الدّعاية الانتخابيّة على أشدّها على مواقع التّواصل الاجتماعي بين الأنصار والمعارضين. وكلاهما يوظّف كلّ وسائل التّرغيب والتّرهيب الّتي أنتجتها المعركة السياسية في تعابيرها وصفاتها طيلة عشرية الاستقطاب الثنائي مثل “الفساد” و”العشرية السوداء” و”الإرهاب” و”تفقير الشّعب” و” الشّهداء” مقابل “الحريّات” والديمقراطية” والتعدد” و”الحوار السياسي”.
حالة لامبالاة شعبية
ويبدو أنّ الشقّ المعارض للدستور أقوى حضورا لأنّه يستفيد من جانبين: أولهما كره التّونسيين لعمليات الانتخاب وسقوطهم في منطق اللاّمبالاة بعد ما أصابهم من يأس من الطبقة السياسية، وثانيها انهمام التّونسيين في معاناتهم الاجتماعية وتردّي أوضاعهم وهم يواجهون صيفا ساخنا مؤلما بعد نتائج الامتحانات والنقص في المواد الغذائية والتهاب الأسعار، وهو ما يعمّق لديهم مشاعر اليأس من المستقبل.
هذا إضافة إلى أنّهم لم يروا تغيّرا ولو نسبيا على مستوى الإدارة ومؤسّسات الدّولة سواء من حيث الانضباط والتّسميات الشّفافّة أو حسن معاملة المواطنين بل ازداد الأمر سوء وارتجالية.
أمّا العتبة الثّانية الّتي تخامر التّونسيين فهي تتعلّق بافتراض نجاح الاستفتاء ولو نسبيا بأقلّ من خمسين بالمائة أو أدنى من ذلك: فهل سيمرّ الرئيس قيس سعيد إلى الأمام بقوّة، ويعتبر نتائج الاستفتاء مهما كانت نسبتها صكّا على بياض لعبور الصّراط نحو بناء “الجمهورية الجديدة ” المنشودة الّتي بشّر بها في الدّستور الجديد، وحدّد بناء سلطها التنفيذية والتّشريعية والقضائية وكيفية بعثها؟ وهل سيجد التّربة المناسبة لإقامة مشروعه؟ خاصّة في ضلّ معارضة لا نتصوّر أنّها بعيدة عن إعداد سيناريوهات مختلفة لمواجهة مختلف الفرضيات.
ما بعد الاستفتاء .. تونس الى أين ؟
أمّا العقبة الثالثة فهي ما بعد الاستفتاء وإقرار الأمر الواقع، كيف ستكون الحكومة الجديدة الّتي سيسميها الرّئيس قادرة على إعادة الرّوح في الدّولة ومؤسساتها سواء على المستوى الدّاخلي من حيث سير المؤسسات والشفافية وفرض القانون والرّقابة ومحاربة كلّ مظاهر التّهريب والتهرّب الضّريبي الّتي أنهكت الاقتصاد التّونسيّ، أو من ناحية المستوى الخارجي فيما يخصّ قدرتها على إخراج البلاد من التردّي المالي والاقتصادي والاجتماعي أمام شروط الصناديق المانحة، وانخراط الحكومة الحالية في برنامج رفع الدّعم والضّغط على التوظيف في الوظيفة العمومية، ونحن نتابع ما تنشره دوائر الرقابة المالية العالمية من تخوّف من دخول الاقتصاد التونسي مرحلة العجز وعدم القدرة على تسديد الديون.
كيف يمكن للرئيس سعيد بعد أن ملأ قلوب التّونسيين أملا في دولة الرّعاية –الّتي لا يمكن أن تكون اليوم في ضلّ الاقتصاد العالمي – أن ينجح في إعادة بناء الدّولة وتحقيق أهداف الثورة ووعوده بتحقيق الكرامة والشّغل والعدالة للتّونسيين في وضع عالمي يعرف انقلابا كبيرا وتضخّما غير مسبوق وشحّا ونقصا في الموارد الغذائية والمالية والطّاقية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي ضلّ تراجع المساعدات الخارجية ومواقف الاتّحاد الأوروبيّ والولايات المتحدّة بسبب الأزمة السياسية التّونسية من جهة، ومن جهة أخرى بسبب انشغال هذه القوى حاليّا بقضاياها ومشاكلها الدّاخلية.
ولا شكّ أنّ زيارة الرئيس الأمريكي “جو با يدن” خلال هذا الأسبوع إلى المحور الشرق أوسطي الجديد و حديثه منذ كلمته الّتي ألقاها في 22 من شهر ماي أمام رجال الأعمال والسّاسة الأمريكيين وقال فيها إنّه على أمريكا أن تقود النّظام العالمي الجديد الذي باتت تبشّر به الحرب الروسية الأوكرانية وما يحمله من تحالفات غامضة، ستكون متحكّمة في الاقتصاد العالميّ و سيكون لها مزيد الأثر في ارتفاع أسعار الطّاقة والمواد الغذائية و ازدياد نسبة الفقر مع استمرار حالة الرّكود في الاقتصاد العالمي و عودة المخاوف من موجات الكوفيد الجديدة.
عموما يبدو استشراف موعد الاستفتاء وما بعده محفوفين بكثير من الصّـــــــــعوبات والمخاطر الذين قد يؤديّان في كلّ الحالات إلى فرض خيارات صعبة على التّونسيين وتضحيات اجتماعية كبرى ربمّا تكون عوامل قد تنقلب فيها المواقف من الرّئيس الذي ما زال يحظى بشعبية وازنة.
Comments