عشية الذكرى العاشرة للثورة .. تراجع الثقة في الاعلام !
منذر بالضيافي
تعالت خلال الفترة الأخيرة الأصوات المطالبة بضرورة تنظيم حوار وطني جامع للخروج من الأزمة الشاملة والمعقدة التي تمر بها تونس، وسط ترسخ قناعة مفادها أنه لا بديل عن الحوار الا العنف، وأن هذا الحوار المنشود يجب أن يجمع كل الفرقاء دون اقصاء، فالحوار هو أصلا بين المختلفين وليس بين الأصدقاء، وفي هذا السياق وبعد 10 سنوات من الثورة، نلاحظ أن اعلامنا الوطني/ المحلي فشل في ادارة حوار حول القضايا الاساسية، وفي المرافقة “الواعية” للانتقال الديمقراطي.
وقد كانت الاولوية في جل المنابر الاعلامية، وخاصة ما يسمى بالأعلام الجماهيري، ونعني به اساسا القنوات التلفزية التي ما رست ولا تزال دور كبير في تشكيل وتوجيه الرأي العام، الى “البوز” من خلال “بلاتوهات سياسية” غاب عن أغلبها “المعنى” الذي يؤسس لحوار عقلاني حول مشاكل البلاد ومساعدة صانع القرار على ايجاد الحلول، مقابل ذلك نجد أنها سقطت في فخ ” اللا معنى” ، والصراع حول “الاوديمات”، في اطار البحث عن الاعلانات والربح على حساب المصلحة الوطنية.
وهو ما كشف عن حالة “التصحر الاعلامي” ، ففاقد الشيء كما يقال لا يعطيه، فالقطاع يعيش ما يمكن أن نطلق عليه بالضعف الهيكلي ، من جهة الامكانيات والتكوين والتأطير، من ذلك أن بلادنا تفتقر الى مؤسسات اعلامية مهيكلة ومنظمة، وتحت ادارة مجالس تحرير مهنية.
كما فشلت الهياكل المهنية ( نقابة الصحفيين، الهايكا ، نقابة الاعلام للاتحاد العام التونسي للشغل…)، فشلت هذه الهياكل في القيام بدورها التأطيري وخاصة التعديلي، وانخرطت في “الصراع” حول من تكون له الغلبة والسيطرة على الاعلام، اتغيب كل محاولات الاصلاح برغم الكثير من الأموال التي ضخت وخاصة من قبل الخارج ( الاتحاد الأوروبي مثلا).
وما نلاحظه هو انحراف الهياكل المهنية التي دخلت في صراع بينها وبين اصحاب وملاك المؤسسات الخاصة، التي تحولت الى “سلطة” في التأثير على الراي العام وتوجيهه، فكان افساد “الذائقة ” ( الابتذال في المادة التلفزيونية المنوعاتية) ، التي انتقلت أيضا الى البرامج الاخبارية والسياسية، التي تحولت الى أداة لتنفير الجمهور من السياسة ومن السياسيين، وليس مرد ذلك ضغف الطبقة السياسية فقط، بل أيضا المشرفين على هذه البرامج الذين انخرطوا هم أيضا في “ثقافة البوز” والبحث عن “نجومية زائفة” على حساب حق المستهلك في مادة اعلامية مهنية وموضوعية.
وما زاد الوضع سوءا هو دخول الاعلام العمومي في حالة موت سريري، وهو الذي كان عليه القيام بدور القاطرة في المجهود الاصلاحي للقطاع، بسبب رفض الحكومات المتعاقبة وضعف هياكل القطاع، وربما ” توافقها” على ابقائه في وضعية تبعية لهم ليسهل التحكم فيه وتحويله لأداة طيعة عندهم.
وفي المحصلة، انتقلنا من اعلام محكوم فيه و موجه وخاضع للسلطة قبل الثورة، الى اعلام تحت نفوذ وهيمنة “راس مال” غامض الهوية والمصدر، يوصف بانه تحت سطوة “لوبيات” و “مراكز ضغط”.
ليصبح الاعلام او على الاقل غالبيته متهم بكونه انخرط في ” اجندات” ، وتراجعت ثقة الجمهور فيه ، واصبح التونسي مرة اخرى لا يرى نفسه في اعلامه ، وعاد من جديد للبحث عن اخبار ومالات بلاده في “الاعلام البراني/ الخارجي” الاكثر حيادا ومهنية.
Comments