عشية ذكرى 14 جانفي: انتشاء النخب .. وحيرة المهمشين
التونسين نبيل البدوي
بعد أيٌام قليلة تحل الذكرى الثامنة ل14 جانفي -التي مهما كان اختلاف التونسيين في تقييمها أو توصيفها ما إذا كانت ثورة أم انتفاضة أم انقلاب- تبقى حدثا فارقا في تاريخ تونس المعاصر بل في التاريخ العربي إذ أن تداعياتها امتدت الى كامل المنطقة العربية.
وإذا كانت الذكرى الأولى والثانية حظيت باهتمام كبير من التونسيين وخاصة من الفائزين بانتخابات 2011 الذين صعدوا الى الحكم بعد رحلة مع السجون والمنافي والمحاصرة فإن الاحتفال أصبح فاترا من سنة إلى أخرى مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات وانهيار الدينار بنسبة غير مسبوقة وتتالي التهديدات الإرهابية وفتور المانحين الدوليين وحماسهم ل” ثورة الياسمين ” فماذا حقٌقت ” الثورة ” بعد ثماني سنوات ؟
حرية بلا حدود
المكسب الكبير الذي حققته ” الثورة ” هو الحرية في كل المجالات بما فيها حرية تجاوز القانون والتعدي على هيبة الدولة فقد سقط جدار الخوف وإذا كانت هناك جوانب سلبية كبيرة لهذا المد غير المسبوق من الحرية فإن فيه جوانب إيجابية منها حرية الأعلام والمشاركة السياسية ولا أعتقد أن أي نظام قادم يمكن أن يعيد التونسيين لبيت الطاعة فإصدار الصحف والدوريات بأنواعها وبعث الإذاعات والفضائيات أصبح متاحا للجميع وقياسا بعدد سكانها لا توجد أي دولة عربية أخرى ولا أفريقية لها هذا الكم من وسائل الأعلام بمحاملها المختلفة من إذاعات وفضائيات ودوريات إلكترونية وورقية ودور نشر أيضا كما أصبح تأسيس الأحزاب والجمعيات متاحا لكل الناشطين بعد سنوات من احتكار السلطة لمنح تأشيرة الأحزاب والجمعيات في بلاد كانت سبّاقة في العالم العربي والإسلامي في تأسيس الجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية ( مثال الحزب الدستوري التونسي).
لكن هذا الفائض من الحرية يبدو أنٌه لا يعني إلا النخب والدليل الإقبال الضعيف على الانتخابات البلدية وضعف عدد المنخرطين في معظم الأحزاب السياسية حتى يبدو بعضها وكأنٌه حزب افتراضي لا وجود له على أرض الواقع يستثنى من ذلك حركة النهضة وهذا ليس غريبا في حركة عقائدية خاضعة لمنطق المرشد والجماعة. والصادم أنه وفي أخر استطلاع رأي عبر أكثر من خمسين بالمائة من النساء والشباب عن عدم نيتهم المشاركة في الانتخابات القادمة، المقررة في الثلاثية الأخيرة من السنة الجارية.
حصيلة كارثية
بعيدا عن النخب “المنتشية” بالحرية السياسية والإعلامية والتي مازالت ترفع شعارات استحقاقات الثورة والانتقال الديمقراطي واستكمال المؤسسات الدستورية أزداد معدٌل الفقر والبطالة وتضاعف الفساد وتبييض الأموال والتهريب والمخدرات والعنف والإرهاب وانهار الدينار وتضاعف التضخم وتجاوز حجم السوق الموازية 60 بالمائة من الاقتصاد الوطني وهرب المستثمرون وازداد الوضع في الجهات التي انطلقت منها الاحتجاجات ضد نظام بن علي مثل سليانة ( 1990 ) الحوض المنجمي (2008 ) بن قردان ( صيف 2010 ) القصرين سيدي بوزيد ( شتاء 2010) سوءا على كل المستويات فلا بنية أساسية ولا تشغيل ولا تنمية.
كما انتشر التشدٌد الديني ورياض الأطفال القرآنية والزواج العرفي وأصبحت أغلب المكتسبات التي حقٌقها الشعب التونسي منذ الاستقلال محل جدل ونقاش الى حد لم نعد نعرف فيه تونس التي لم تعد شعبا واحدا كما قال المؤرخ الدكتور عبدالجليل بوقرة ، كما تورٌط ألاف الشبٌان التونسيين في الإرهاب من سوريا الى العراق الى ليبيا الى أوروبا الى الحد الذي صرنا نتساءل فيه هل هذه تونس التي ننتمي إليها وكنٌا مطمئنين بل سعداء ب” وسطيتنا ” و ” أنفتاحنا ” ؟
منظومة سياسية فاشلة
كل الصعوبات التي تعاني منها تونس اليوم، الاقتصادية والاجتماعية لن تجد لها حلولا ما لم تتم مراجعة المنظومة السياسية التي ترتٌبت عن دستور 2014 الذي قال عنه مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي أنٌه أحسن دستور في العالم ، فحتٌى حركة النهضة التي كان لها الدور الأساسي في صياغته ة ارتفعت في داخلها بعض الأصوات ( لطفي زيتون مثلا ) تطالب بمراجعة النظام السياسي وعدد أخر من الأحزاب وقبلهم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي.
دون مراجعة النظام السياسي وتجاوز هذه الحالة من الإرباك فلا أحد يستطيع أن يحكم اليوم لن تحل مشاكل تونس التي تتراكم فالمشكلة الأساسية ليست في الحكومات ولا الأحزاب الحاكمة فقط بل أساسا في النظام السياسي ومالم تتم مراجعة النظام السياسي الذي ثبت أنٌه لا يتماشى مع “الروح التونسية” لن تنجح أي حكومة او مجلس نوٌاب شعب ستفرزه الانتخابات القادمة .
تجاوز الوضع الحالي المنذر بالانهيار الكامل لن يتحقق ما دمنا نحتكم لنظام سياسي أعرج !
Comments