علماء السلطان و تبرير آلة القمع
أحمد سلهوب *
الديكتاتوريون في عالمنا العربي دائماً ما يبحثون عن ملاذ آمن وهم في سدة الحكم، عبر رجال الدين أو ثلة من سياسيين يُجيدون براعة الكلام أو بالأحرى براغماتيين؛ لتثبيت صورة ذهنية راسخة بأن الحاكم هو إله، وأن البلاد عرضة للمؤامرة وحربٍ كونية.
حرب التبرير لا محل لها في الديمقراطيات الحديثة والقديمة، ولكن في المنطقة العربية تجدُ رهطاً من العلماء يتسيَّدون الموقف السياسي مستخدمين آياتٍ قرآنيةً يوظِّفونها تماشياً مع سياسة الحاكم، بغضّ النظر هل لتلك السياسة عواقب وخيمة أو محمودة؟ فالغاية الكبرى عندهم إرضاء مَن هم في هرم السلطة.
في واقعة خاشقجي، أحد أقطاب الصحفيين العرب الذي لقي حتفه في قنصلية المملكة بإسطنبول، لم يتطرق أحد من علماء الدين في السعودية لتلك القضية، وبدلاً من تصحيح المسار وتوضيح حرمة قتل البريء، تجدهم في اصطفاف مع الحكومة، بل وصل مدى الاستخاف أن أحدهم طالب بمحاكمة مَنْ يخالف الشريعة، والسؤال هنا: أليس قتل بريء مخالفاً لشرع الله، وكذلك التنكيل بمن يحيد عن خط الدولة وإن كان على صواب.
في مصر على سبيل المثال لا الحصر، وقعت مجازر مروِّعة ضد مدنيين عُزَّل في أعقاب أحداث ثورة 25 من يناير، وفترة ما بعد 2013، لم نجد حناجر رجال الدين تصدح بالحق وتحرِّم سفك الدماء بالنسبة لمن تصدروا المشهد السياسي في تلك الحقب الغابرة.
والنقطة اللافتة أن القانون المصري يحرِّم استخدام الشعارات الدينية ودور العبادة في السياسة، ولكن ما حدث في زيارة الرئيس السيسي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية بغية حضور اجتماعات الأمم المتحدة، من حشد الكنيسة لمصريين أقباط لاستقبال الرئيس، وأن الربَّ سيغضب وهلمَّ جرا، هو مخالفة صريحة لروح القانون، لكن الغاية في عالم السياسة تبرر الوسيلة، مثلما قال فيلسوف العقد الاجتماعي جان جاك روسو. ونجد موقفاً مماثلاً وسابقاً في أعوامه، هو ترحيب الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا بشن غارات جوية في سوريا، واصفة القتال هناك بـ”معركة مقدسة”، وكان ذلك في 2015 وهو عام التدخل الروسي الرسمي. وقال بطريرك الكنيسة الروسية كيريل وقتها إن بلاده “اتخذت قراراً مسؤولاً باستخدام القوة العسكرية لحماية الشعب السوري من المعاناة التي يلحقها بهم الإرهابيون”، على حد وصفه، وقد ساير هنا وواكب مواقف بوتين، وهو على يقين بمعالم النظام القمعي لبشار الأسد.
إذاً نظرية الحق الإلهي التي منحتها الكنيسة الأوروبية لنفسها في عصور الظلام تحلِّق بجناحيها بشكل مظلم في الوقت الراهن على منطقتنا، مع وجود فوارق في التطبيق نظراً لاختلاف العصور وآليات السياسة.
إزاحة رجال الدين عن التطبيل مطلب مجتمعي في اعتقادي، وجودهم الحقيقي يتجسد في النصح والإرشاد واتخاذ الحق مسلكا بعيدا عن الإنضواء تحت منصات سياسية مختلفة. البعض قد يتعلل بأن المصالح العليا للبلاد تقتضي وجود رجال الدين بجانب الساسة، وهذا حقيقي، ولكن وفق قناعتي وجودهم ضرورة في مواقف معينة ومحددة، كتعرّض البلاد لغزوٍ خارجي أو تهديد حقيقي وجِدّي يزعزع أركانها، هنا يتدخل ليس لإرضاء السلطان، ولكن تدخله يستند إلى قناعته الداخلية ورؤيته الثاقبة لطبيعة المستجدات، عوضاً عن أن يكون مطيّة لتحقيق مآرب أخرى على غرار الشيخ أحمد حسون الذي طالب بالحج إلى جبل قاسيون بسوريا بدلاً من جبل عرفات.
وختاماً نقول إن الغالبية العظمى من علماء السطان حالياً اهتزت مكانتهم في قلوب الملايين؛ نظراً لتبدل مواقفهم تماشياً مع الأجواء المارة من فوق الأرض أو في السماء السبع، ومردّ الاهتزاز راجع للطفرة الهائلة في وسائل التواصل والإعلام الجديد الذي يرصد تناقض رجال الدين والسياسة عكس القرون الماضية، فقد كان كهنة فرعون هم صوت الفرعون سواءٌ بالحق أو بالباطل، وكانت أوراق البردي وجدران المعابد وسيلة الاتصال، الآن التعدد والتنوع في عالم المعرفة والاتصال كشف زيف الكثيرين منهم.
Comments