على هامش زيارات رئيس لجنة الصحة .. لامبالاة في جلمة، أهمال في بير علي وعجز في قابس
خديجة زروق
كان يوم الثلاثاء 6 جويلية الجاري ماراطونيا للنائب عياشي زمال رئيس ولجنة الصحة و الشؤون الاجتماعية بالبرلمان، حيث تنقل النائب الى مستشفيات بمناطق داخلية للوقوف مباشرة على وضعياتها، والاطلاع على ظروف العمل والنقائص خاصة مع ارتفاع وتيرة الإصابات بكورونا، وتتالي أصوات المتساكنين ونداءات منظمات المجتمع المدني، التي تشكو جميعا من اللامبالاة والإهمال ونقص المعدات والكادر البشري.
مستشفى جلمة… اللامبالاة
بدأت هذه “الرحلة” بمستشفى الطاهر بوزريبة بجلمة من ولاية سيدي بوزيد، حيث عاين الوضعية الصعبة للمستشفى الذي يشكو نقائص لوجستية وبشرية. فهو مستشفى فقير للمعدات والتجهيزات والاطار الطبي وشبه الطبي، اضافة الى نقص اسرة الانعاش وغياب قسم كوفيد.
وقد تجمع المئات من أهالي وشباب المدينة في المستشفى حالما تناهى الى مسامعهم وجود نواب في المستشفى، تسللت من بينهم فتاة تطالب بحقها في الفحص من وباء الكورونا وهي التي عجزت عنه في المستشفى. وارتفعت اصواتهم عالية للمطالبة باحداث قسم كوفيد وتدعيم عمليات التقصي بالمستشفى وخاصة تركيز نقطة تلقيح بالمدينة، تقيهم مشقة التنقل الى مركز الولاية.
ولكن المطلب الرئيس كان الإفراج على “مستشفى جلمة” الذي تم الامضاء على احداثه منذ سنة 2017، ورُصدت له ميزانية تتجاوز الخمسين مليون دينار، والذي كان يفترض ان يكون جاهزا سنة 2020.
ويعتبر الوضع الصحي في جلمة نموذجا حيا على الاستهتار الذي طبع “حوكمة البلاد” منذ الثورة. فأهالي مدينة جلمة احتجوا اكثر من مرة على رداءة الوضع الصحي، واتخذت الحكومات المتعاقبة قرارات واجراءات، لم ينفذ منها شيء. فقد خصص الوزير السابق سعيد العايدي حيزا مهما لجلمة ضمن حزمة من الإجراءات لفائدة قطاع الصحة بالجهة، ومثله الوزيرة سنية بالشيخ، ولكن لا شيء غير “قبض الريح” او “كلام بكلام” مثلما قال الجاحظ.
كان يمكن لانجاز مستشفى جلمة الجديد، ان يكون حلا حقيقيا لحماية الأرواح وانقاذها في ظل هذه الجائحة اللعينة، وكان يمكن لو تعاملت الدولة والحكومة ووزراء الصحة المتعاقبين بجدية مع “وعودهم” تطوير المستشفى الحالي. فلا أجهزة ولا فروشات ولا آلات اوكسيجين ولا اطباء ولا كوادر شبه طبية ولا عملة. صورة مصغرة ينقلها إلينا مستشفى جلمة على وضعيات عشرات المراكز الصحية بالبلاد، حيطان فارغة و”ايهام بالصحة”.
جلمة المنسية تستحق علاجا…. ومستشفى المدينة يستحق هبة وطنية عاجلة…. والمستشفى الجديد يجب ان تتظافر الجهود لاحداثه بأسرع وقت….
وضعية جلمة علامة، بحسب المدير الجهوي للصحة على وضع ولاية سيدي بوزيد الصحي. اربع مراكز تلقيح في ولاية ريفية بنسبة 85%، وغياب للاطار الطبي الذي يشتغل المتوفر منه اكثر من طاقته. أطباء الاختصاص في طب الاطفال والانعاش، تعهدت بهما الحكومات المتعاقبة دون جدوى، وحتى سيارات الاسعاف الحديدة، تركن في المآوي لانها بلا بطاقات رمادية.
سيدي بوزيد مهد الثورة، التي ثارت على الاهمال والتنمية والتهميش و”الحقرة” ماتزال تشكو نفس الاسباب، ورغم المجهودات الكبيرة للسلطة الجهوية فإن الوضع خطير جدا، وبائيا واجتماعيا، لذلك تعهد النائب برفع تقرير حول وضعية المستشفى الجهوي بجلمة، وحول الوضع الصحي عامة الى سلطة الإشراف لدعم المستشفى في اقرب الآجال.
بير علي بن خليفة…مستشفى جاهز ولا يشتغل
في إطار نفس الجولة تنقل عياشي زمال الى مستشفى بير علي بن خليفة من ولاية صفاقس. بناية فخمة ترتفع على هضبة مرتفعة في مكان فسيح خارج المدينة. كان المدير وناظر المستشفى وبعض الممرضين في الاستقبال. تتفاجأ منذ البداية بغياب الحركة، لا مواطنين ولا مرضى ولا زوار، غير امرأة يبدو أنها على وشك الولادة، تجلس وحيدة.
معدات كبيرة في علبها، مغلفة بالبلاستيك وموضوعة في كل مكان. كل شيء جاهز، ولكنه معلّب….لا شيء يشتغل. فقد تعطل انطلاق استغلال المستشفى رغم انتهاء الاشغال وتوفر المعدات منذ 2017. مستشفى بتكلفة جملية بقيمة 12 مليون دينار متعطل لا يشتغل في ظل أزمة صحية تعصف بأرواح الالاف، ينتصب عاليا ليْخبر الجميع بعجزهم، ويتحدث على حكم الهواة العاجزين.
لم ينطلق مستشفى بير علي، لعدم توفر الإطارات الطبية وشبه الطبية الضرورية لتشغيل المستشفى، إضافة الى غياب الاعوان الاداريين ومهني الصحة. عبر مدير المستشفى على غضبه، وكشف مراسلات وملفات وجهها لأولي الامر، وطالب بتمكينه من ميزانية 2020، التي تبلغ ثلاث مليون دينار حتى يجتهد وينطلق في العمل، دون مجيب.
مستشفى بير علي، لو وجهت أجهزته لمستشفى جلمة لربحنا مستشفى حديثا يواجه الوباء. لكنهما مستشفيان يكشفان عجزا وعدم قدرة على استنباط الحلول. حلول وعد النائب بالبحث عنها، وتعهد بمتابعة الامر مع وزارة الصحة لتمكين المستشفى من الطواقم الطبية وشبه الطبية اللازمة حتى يبدأ نشاطه في اقرب الآجال.
قابس… رغم الاجتهاد غياب المتابعة
تحول رئيس لجنة الصحة بعد ذلك إلى قابس، حيث زار المستشفى. بناية فخمة عالية تظهر من بعيد، لتتحدث على عهد الصحة الذهبي الذي زال. بناية تداعت اغلب اقسامها للسقوط وتتكدس الالواح والاتربة والنوافذ القديمة والابواب وحتى سيارات الاسعاف المعطبة في كل مكان. هي دليل على أشغال انطلقت ولم تنته.
فقد تم الانطلاق في أشغال تدعيم اسس البنايات المتداعية للمستشفى بكلفة قدرها 12 مليون دينار، ولكنها لم تنته ماتزال تراوح مكانها، وهي التي كان من المبرمج انهاؤها سنة 2015.
داخل المستشفى تقف عند تدلي اسلاك الكهرباء والحيطان الجرداء بقسم العيادات الخارجية التي لم تنته الاشغال فيها أيضا، وهي والتي تعهد المقاول في آخر اتفاق بتسليمها في جوان 2020. هذا التراخي والعجز على التعامل مع المقاولين تحول الى نزيف مصاريف يثقل كاهل المستشفى الذي أْجبرت ادارته على كراء بناية خارجية بكلفة سنوية تناهز ال 115 الف دينار.
في قسم الجراحة ايضا، يحتاج المستشفى الى قسطرة حتى يتنفس، إذ تتعطل معالجة شبكة الهواء واجهزة التكييف في 6 قاعات من جملة 8 قاعات بقسم الجراحة، وتنتظر قاعتان حاضرتان الاجهزة والاطار الطبي المختص حتى تنطلق في العمل.
واستمع السيد النائب إلى مشاغل الإطار الطبي والاداري، الذي بدا متفهما للصعوبات شجاعا في مواجهة المشاكل التي تعوق تقديم خدمات صحية جيدة. وكشف مدير المستشفى على عشرات المراسلات والملفات التي تم توجيهها الى وزارة الصحة والى الوزراء الذين تعاقبوا عليها. ووقف عند نقص الاطارات الطبية وخاصة في اختصاصي التبنيج والانعاش. وتعهد بنقل كل هذه المشاغل الى وزارة الصحة في اقرب وقت ممكن و متابعتها شخصيا.
كان يوما طويلا، ولكنه لم يكن أطول من معاناة المرضى، ولا من آجال انتظار أهالي جلمة وسيدي بوزيد وبير علي وقابس ومحيطها للحصول على حقهم الطبيعي والدستوري في خدمات صحية لاىقة. لامبالاة في جلمة اهمال في بير علي وعجز في قابس. ثلاث عينات تْلخّص حال الصحة في بلادنا، بل لعلها تلخص حال البلاد عامة.
Comments