عندما يشغل الرئيس نفسه بخلاف صلاحياته الدستورية!؟
خالد شوكات
كان يفترض برئيس الجمهورية اليوم، مثلما كلّفه الدستور، أن يكون حاضرا في الأزمة الليبية وان تكون لديه القدرة على استباق حلها بالمساهمة فيه، خصوصا وقد جاءته الفرصة إلى يديه عندما انعقدت في عقر دارنا اهم جلسات المصالحة الليبية قبل بضعة أشهر، ولكنه انشغل عنها بمعاركه الدنكيشوتية الخاطئة في الداخل، ضد اخوانه/اعدائه الوهميين ممن يفترض به أن يستقبلهم ويحاورهم كأب أو أخ كبير، لا ان يصارعهم على جيفة السلطة الفانية، أو يستعرض في مواجهتهم مبدئية عنترية بلا معنى في هذه الأيام الكالحة الصعبة.
وللأسف الشديد فهذه مسؤولية هذا الشعب الذي انتخب رجلا بلا برنامج ولا رؤية ولا خبرة، وبلا علاقات خارجية أو حتى قدرة على بنائها، ظنا منه انه بهذا الانتخاب ينتقم من طبقة سياسية اتبعته، وهو في واقع الامر ينتقم من نفسه أوّلاً ويستعيض عن ورطة بورطة اكبر منها وعن محنة باخري اشد وأقسى.
وأتعس ما في الامر، ناهيك عن التفريط في المصالح الوطنية العليا جراء الغياب التام عن الساحة الاقليمية والدولية، وعن اقرب القضايا المرتبطة بِنَا بنيويا كالمسألة الليبية، هو انه لا يحق للشعب تقريبا محاسبة رجل قال انه لم يقدم للشعب اي وعد انتخابي ولم يقم بحملة انتخابية بل حملة تفسيرية وانه سيفعل ما يريده الشعب، فهل للشعب إرادة واضحة يا ترى يمكن السير على هداها في السياسة الخارجية، ولكنه الخطاب الشعبوي الفارغ الذي يهدر المصالح ويقود غالباً الى أسوأ النتائج.
سنة 2011، استبق الرئيس الباجي رحمه الله الأحداث في الشقيقة ليبيا، الجارة والشريك الاقتصادي الكبير، وتصرف بناء على استشرافه الصحيح ذاك، وحافظ على دور بلاده في قضايا محيطها دون تفريط في سيادتها، وهكذا يفعل القادة الكبار بحسن التقدير وترتيب الاولويات وشغل الايدي بالصالحات..
ولست أدري حقّاً ما هذا الحظ النكد الذي اصاب بلادنا، ذلك ان تونس مليئة بالقادة الموهوبين والرجال والنساء الاكفاء القادرين على خدمة مصالح بلادهم العليا في الساحات الدولية والاقليمية وانتزاع دور رائد لدولتهم في إيجاد تسويات لقضايا منطقتهم الكبرى، حتى نسلّم مصيرنا هكذا لمحدودي الموهبة وموتوري الاعصاب ومنحرفي المزاج، ممن تطغى شكوكهم على حركتهم فيمتنعون عن الإنصات حتى لأقرب المقرّبين منهم بما في ذلك أشقائهم ربما.. انه ابتلاء ان تربط مصائر الشعوب بارادة الغوغاء والدهماء، وفي التاريخ، ما سلّم الامر لهؤلاء الا وكانت خاتمة لا تحمد، نسأل الله اللطف.
Comments