عودة "الباتيندا" لحافظ .. الرابحون والخاسرون !
هشام الحاجي
قد ينسى المتابعون للشأن السياسي التونسي جانبا كبيرا من اسهامات ناجي جلول المثيرة للاهتمام و الحدل و لكن من الصعب ان لا يستحضروا عند حديثهم عن حركة “نداء تونس” عبارته التي اضحت على كل لسان “مولى الباتيندة ” و التي ساعد السياق السياسي على سحبها على كل الاحزاب مهما اختلفت و تباينت ما دام حمة الهمامي قد سجل اسم الجبهة الشعبية باسمه و سليم الرياحي قد منح اسم “الاتحاد الوطني الحر” الى محاميه الطيب بالصادق وما دام الغنوشي يراس النهضة منذ أكثر من نصف قرن.
لا شك ان التطورات التي شهدها موقف الحكومة من حركة “نداء تونس” تحيل الى عبارة “الباتيندة ” و تفرض العودة الى السياق الذي ابتدعه ناجي جلول . فقد اعتبر الامين العام الحالي لحركة “نداء تونس” عند تحديد موقفه في صراع من تلك التي اثثت تاريخ حركة “نداء تونس” القصير انه يتعين على الجميع عدم نسيان ان “الباجي قائد السبسي هو مولى الباتيندة”.
بيدو ان الحكومة الموقرة وتحديدا وزير ها المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية و حقوق الانسان و المجتمع المدني فاضل محفوظ قد تذكر بقدرة قادر هذه ” الحقيقة ” ليتخذ موقفا مناقضا للذي سبق و ان اتخذه منذ اسابيع قليلة و يسحب اعتراف الحكومة بسفيان طوبال ممثلا لحركة “نداء تونس” ليمنح هذا الاعتراف لحافظ قائد السبسي.
قد يعتبر البعض ان في هذا التراجع تفاعلا مع بعض ابعاد القرار الذي اصدرته المحكمة الادارية في ما يتعلق بتمثيلية حركة نداء تونس في علاقة بالانتخابات البلدية بباردو و لكن يصعب الاكتفاء بهذه القراءة خاصة و ان الموقف الاول الذي اتخذه حافظ محفوظ جاء متسرعا و مرتبطا الى حد كبير بعملية التحالف الانتخابي المرتبط بالتوجه نحو الاندماج الذي تم الاعلان عنه بين ما كان يعرف ب”شق الحمامات” و تتزعمه سلمى اللومي و سفيان طوبال و حركة “مشروع تونس” التي يعتبر فاضل محفوظ احد قيادييها .
حتى “تعديل التصويب “فلا يمكن مهما اعتمدنا الموضوعية عن امكانية حاجة الحكومة الى استمالة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في اطار تجنب امكانية رفض مؤسس النداء التصديق على التنقيحات التي ادخلت هذا الاسبوع على القانون الانتخابي خاصة و ان لمنطق المقايضات الفاقدة من الناحية الموضوعية قد اصبح عملة رائجة في ظل هيمنة عقلية المحاصصة و اقتسام السلطة و النفوذ.
من هذه الزاوية يمكن اعتبار قائد السبسي الاب و الابن قد حققا انتصارا معنويا على اغلب منافسيهم و خاصة الذين “باعوا جلدهما ” بشكل مبكر و انهما لن يكتفيا اليوم بالقول ” باتيندتنا ردت الينا ” بل سيفكران في المستقبل القريب و في تلذذ نخب انتصار معنوي ممتزج بالانتقام المعنوي من بعض الشخصيات و في الاعداد للانتخابات الرئاسية .
ذلك ان في عودة “الباتيندة ” لحافظ قائد السبسي وجها من وجوه الانتصار المعنوي او على الاقل تسجيل هدف في وقت مهم ليوسف الشاهد الذي يجد نفسه مجبرا على اخذ موقف رئيس الجمهورية بعين الاعتبار .
و في عودة حافظ قائد السبسي الى صدارة المشهد السياسي ارباك لحسابات بعض منافسيه الذين طالما رفضوا اي شكل من التعامل معه و في مقدمتهم محسن مرزوق الذي يجد ان مشروع التحالف مع “شق الحمامات ” قد تبخر و انه مضطر للعودة الى مربع “مشروع تونس” و هذه “الخطوة الخاطئة ” قد تكلفه انتخابيا و خاصة داخل حركته في ظل بروز انتقادات لطريقة تسييره و لمقاربته السياسية للوضع العام .
و تعتبر سلمى اللومي من اكبر الشخصيات السياسية التي خسرت من خلال هذا القرار و هي التي انتصرت لشق الحمامات و فضلت “جحيم ” صراع الشقوق على “رفاهية ” العمل الى جانب رئيس الجمهورية في قصر قرطاج او السير على خطى شقيقها فوزي اللومي الذي اختار “نعيم ” “البديل التونسي” كحزب يعيش هدوءا داخليا تفتقده اغلب الاحزاب السياسية .
لقد اصبحت المسيرة السياسية لمن دخل في خصام مع “شق المنستير” مرتهنة و لو على المستوى القصير لما سيقرره حافظ قائد السبسي في هذ الصدد . و لا شك ان عودة جانب هام من اوراق اللعبة السياسية الى حافظ قائد السبسي لا يعود الى عودة “الباتيندة” اليه بل ايضا الى نشاطه في الفترة الاخيرة في مستوى الكواليس.
أما امكانية عودة العلاقة بين النهضة و النداء بقيادة السبسي الابن فانه في الواقع يصعب ان تعود الى بدايات “زواج التوافق” في قوتها و في قدرتها على التأثير في مجريات الامور لان الطلاق لم يكن بائنا و نهائيا و لكنه ترك ندوبا في ذاكرة الطرفين يصعب اندمالهما و لان الطرفين منصرفان حاليا للإعداد للانتخابات الرئاسية و التشريعية .
العلاقة مع حركة النهضة ورقة معنوية يوظفها حافظ قائد السبسي في اطار المعادلة السياسية التونسية و ايضا في المستوى الاقليمي في حين يمثل حافظ قائد السبسي بالنسبة لحركة “النهضة ” ملاذا يخفف عنها حصار الرفض الذي تعاملها به عبير موسي و محسن مرزوق و ورقة احتياطية تتعامل بها مع “تحيا تونس” التي تتبادل و حركة النهضة التوجس المشترك.
و لا شك ان استعادة ” الباتيندة ” تمثل الفرصة الاخيرة التي تمنح لحافظ قائد السبسي من اجل تحقيق هدفين على الاقل: اول الاهداف هو ترميم ما امكن من بنيان “نداء تونس” من اجل خوض الانتخابات التشريعية . و هنا يبدو من الضروري ان يعيد قائد السبسي الابن النظر في بعض اساليبه لأنه بقدر ما يعتبر البعض ان تمسكه بحركة “نداء تونس” في كل الظروف يحسب له بقدر ما يشيرون الى ان انفراده بالراي و اعتماده على “بعض المقربين منه” في اتخاذ القرار و التسيير قد كان من بين اسباب تصدع الحزب . و اما ثاني الاهداف فهو الحصول على عدد من المقاعد في مجلس نواب الشعب لان ذلك يمثل استمرار في المشهد السياسي القادم وبشرعية انتخابية وبرلمانية.
Comments