عودة مدرسية بطعم المعاناة
شعبان العبيدي
ينتظر التونسيون هذه السنة العودة المدرسية والجامعية على غير ما جرت عليه عاداتهم، وذلك بسبب ما يتنازع هذا الانتظار من رغبة في استعادة أبنائهم مقاعد الدراسة ومواصلة التحصيل العلمي ومسيرة النجاح والارتقاء وبين الخوف من إمكانية سريان عدوى وباء كورونا في الفضاء التربوي ومحيطه أمام تزايد عدد المصابين وارتفاع وتيرة العدوى في كامل ولايات الجمهورية التونسية.
وبقي الترقّب والانتظار للقرار الوزاري بعد تشكّل الحكومة الجديدة ليأتي الاجتماع الوزاري الذي عقده أمس الاثنين وزير التربية بمختلف نقابات القطاع واستمرّ طيلة ساعات ليخرج في ختامه ببلاغ غاية في الهلامية والمراوحة في المكان نفسه سواء من خلال التنظيم المسقط لعودة المستويات الدراسية تبعا لمراحل يومية لا نفهم ما قيمتها وما جدواها وما الفلسفة التي تقف وراء هذا التصوّر؟ أو من خلال التزام الوزارة بتوفير كلّ مستلزمات الحماية والوقاية الصحيّة خاصّة بالنسبة للتلامذة العاجزين على ذلك أو من هم من وضعيات اجتماعية هشّة. وهو كذلك موقف يتطلب حصرا لهؤلاء وتمييزا بين التلامذة وصعوبة في تنفيذه إذا لم تكن هذه الإجراءات ملزمة مطبّقة من البيت إلى المعهد.
كثيرا ما تحامل الإعلام وجمعيات متنوّعة عن المربين وعن الإضرابات التي خاضوها من أجل مطالبهم العادلة والمشروعة منها مشكل اهتراء المؤسسات التربوية وعدم استجابتها بيداغوجيا للعملية التربوية المتكاملة ونقص الوسائل التعليمية ومسألة الاكتظاظ والنقص في الإطار التربوي. وعشنا بعد الثورة أحلاما وبرامج ومشاريع تنوعت بين الكتاب الأبيض الذي لم ير النور إلاّ أمواله التي صرفت ومعلقات الإشهار وتغيير الزمن المدرسي ولكلّ تلميذ حاسوب لتجد المؤسسات التربوية نفسها تراوح مكانها ويزداد وضعها تأزما ويزداد معها الانتصاب للحساب الخاص الذي بات شكلا من أشكال الاستغلال المقيت للمتاجرين بالمعرفة والإدارة لا تحرّك ساكنا وتبقى قوانينها وبرامجها مجرّد سواد في بياض.
ليتأكد للجميع أنّ الدولة الوطنية التي مكّنت تونس خلال السبعينات والثمانينات من الارتقاء إلى مصاف الدّول الرائدة في مجال التعليم خسرت ما أنجزته وباتت تتراجع إلى الوراء والحضيض بعد التدمير الممنهج للتعليم العمومي خلال العهد النوفمبري، وتدمير كلّ منجزات الدّولة الوطنية البورقيبية بعد الثورة تحت أقدام المشاغبين السياسيين وانتشار الفوضى وغياب الإدارة القويّة وغلبة المحسوبيّة وانعدام تطبيق القانون.
لا يدرك الأولياء في كثير من الجهات وخاصّة في العاصمة وأحوازها حجم الكارثة التي يعانيها المتعلمون والمربون خلال السنة الدّراسية، ولم نسمع أن جمعية الأولياء تحركت لتكشف الوضع المزرى لهذه المؤسسات، ولم نسمع كذلك في مجلس النواب وخاصّة من الكتل الكبرى التي تعتبر نفسها وصية على تحقيق أهداف الثورة إلاّ ركوبا في موجة تصفية الحسابات السياسية والسعي للمحافظة على الكرسي توجّها صريحا وجلسات خاصّة لمعالجة هذا الوضع الذي غرقت فيه المؤسسات التربوية العمومية. بل تفنّن كلّ المتدخلين من سياسيين وإعلاميين في تشويه المربين وشنّ حملات شعواء على الجامعة العامة للتعليم الثانوي وخاصة الأخ لسعد اليعقوبي وصلت حدّ هتك العرض والمطالبة بمحاكمته وهو الحلّ الذي يبرع فيه كلّ المتسلقين أو جيوش الإنكشارية الحزبية العقائدية
وبعيدا عن كلّ توظيف سياسيّ وعن المقترحات الخيالية والوهمية مثل حذف المواد الثانوية أو الالتجاء إلى التدريس بنظام الفرق، وذلك أنّ المقترح الأوّل مستحيل وقد انتهت بعد عمليات التوزيع البيداغوجي وإعداد جداول الأوقات، ثمّ كيف ومن سيحدّد هذه المواد وعدد ساعات التدريس؟ وأمّا المقترح الثاني فهو أشبه بتوليد العسل من الحنطة ونحن نشكو من أقسام تصل حدود الأربعين تلميذا.
واعترافا بأنّ السيد وزير التربية الذي باشر مهامه في اللحظة والتوّ وهو لم يطلع بعد على الملفات العالقة. نريد أن نبيّن أنّ البرتوكول الصحيّ المزعوم حتّى تنجح العودة المدرسية وتتواصل بنجاح لا يقف عند حدود توفير الكمامات والجال لغير القادرين عليهما ولا كذلك في تفصيل عودة الأقسام بطريقة متدرّجة، بل الأهم من هذا أو حتّى ينجح مسعى الحفاظ على عدم انتشار العدوى بين صفوف المتدخلين في العملية التربوية داخل المدارس والمعاهد يستوجب إجراءات عاجلة لتلافي ما تعانيه هذه المؤسسات من نقص في الطاولات ومكاتب الأساتذة ودورات المياه والنظافة حتّى نستطيع على الأقل ضمان الحدّ الأدنى من التباعد والحماية الصحيّة.
وأنا أسوق مثالا على هذا الواقع المتردّي هو ما يعيشه معهد حمّام الأنف منذ سنوات بعد أن وقع تغيير واجهته ولكنّه من الدّاخل أصبح أشبه بالخرابة من حيث تداعي بعض الأقسام وتسرب المياه في الشتاء منها ومن حيث انعدام الحدّ الأدنى من العملة حتّى اضطررنا إلى التدريس في أقسام مليئة بالزبالة، ومن حيث الطلاء المنافي لتوفير الراحة النفسية للمتعلم وكذلك تحوّل ملاعب الرياضة المتلاصقة بعد الاستيلاء على قسم كبير منها للمعهد النموذجي إلى أرض مغطاة بالأعشاب الطفولية والشوكية والمياه تعذّر معه خلال السنة الفارطة على التلامذة ممارسة الرياضة بسبب انتشار الناموس. هذا إضافة إلى الوضعية المزرية التي عليها مكاتب الأساتذة المتآكلة والصدئة وانعدام أقفال بعض الأبواب مع تحوّل الفضاء الأمامي للمعهد بسبب ورشات الميكانيك والكهرباء إلى محيط للسيارات والعاملين وتحوّل واجهة المعهد إلى مصبّ للزبالة تقف عنده السيارات العابرة ليضع المارّة زبالتهم وهذا كلّه أمام صمت الجهات الرسمية.
لقد كشفت الأمطار الأخيرة في الجهات بعضا من هذا الهمّ، وما يعيشه معهد حمّام الأنف يستوجب حلولا عاجلة لنقص الطاولات الذي بات يؤرق المربين والمتعلمين ويعطل سير الدروس حين يخرج المتعلمون من قاعة إلى أخرى يبحون عن طاولات وكراسي، و ضرورة سدّ هذا النقص و توفير مكاتب لائقة بالمربين في أقسامهم و تنظيف الفضاء الخارجي للمعهد والمعهد النموذجي من الانتصاب الفوضوي لورشات إصلاح السيارات، لأنّنا نعتبر أنّ هذه الوسائل و المستلزمات والنظافة سابقة و لازمة لحماية العائلة التربوية بالمؤسسات وحماية المتعلمين.
Comments