غلاء اسعار وإهمال حكومي .. التونسيون فرحون برمضان !
خديجة زروق
استقبل التونسيون شهر رمضان في وقت تتفاقم فيه معاناتهم مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وشحها، وازمة اقتصادية ميزتها شبح افلاس الدولة مع عزلتها الدولية، وآثار جائحة وباء كورونا (كوفيد-19). وفيما تمس الأزمة الاقتصادية الحادة كل التونسيين في مختلف جهات البلاد، يبدو “رمضان هذا العام غير الأعوام السابقة” وقد “بلغت معاناة الناس ذروتها بسبب ارتفاع الأسعار، لاسيما مع دخول رمضان” وقد تم تسجيل زيادة تبلغ الأمور 35% في الأسعار هذا الشهر مقارنة برمضان السنة الفارطة.
ارتفاع الأسعار بات ملحوظا في الخضر والغلال. فقد استقرت اسعار الطماطم مثلا في حدود ال 2500 والفلفل في حدود الاربع دنانير اما الخضروات الورقية فقد تضاعف سعرها في رمضان نظرا لارتفاع وتيرة الاستهلاك.
ورغم ان هذه الفترة تتميز بغياب الغلال الموسمية اذ هي مرحلة انتقالية فإن ذلك لا ينفي ملاحظة الأسعار المرتفعة، التي تحرم التونسيين منها على موائد الإفطار، فالبرتقال في نهاية موسمه تدور اثمانه حول الدينارين واكثر قليلا، اما الخوخ الذي نزل باكرا فهو في حدود 6500 والبوصاع 3500، وشهدت هذه الفترة ايضا ارتفاع اثمان الموز الذي لامس الخمس دنانير. كما تميزت اثمان الدواجن واللحوم بارتفاع صاروخي. فثمن “السكالوب” وصل إلى الخمسة عشر دينار وتجاوزت اثمان اللحوم الحمراء الثلاثين دينار للكغ الواحد.
في حين تحلق اثمان الاسماك البحرية فوق الثلاثين دينارا وتلامس “اسماك التربية” العشرين دينارا. ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية طال الزيوت النباتية المعلبة، فقد ارتفعت بما يتجاوز ال 700 مي تقريبا. اما مواد التنظيف فحدث ولا حرج. ورغم تردي الأوضاع الاقتصادية بفعل الغلاء والتضخم وانهيار قيمة الدينار، فإن العائلات التونسية لا تتخلى العادات والتقاليد المرتبطة بشهر رمضان و ما يزالت “تتمسك بها ”.
ويجتهد التونسيون في التحيل على الغلاء لتنويع موائد الافطار، وإشبع الشهوات الرمضانية. ومع اضطرار اغلبية التونسيين للبقاء في المنازل بسبب الانتشار الصاروخي لوباء الكورونا، والخوف من العدوى والاصابة بالسلالات المتحورة فإن “الحجر الاختياري” به تكلفة مادية ايضا. فبقاء العائلات ساعات طويلة في ليالي رمضان “الشتوية” يتطلب مصاريف اخرى، لتوفير الحلويات والمشروبات والمكسرات، وهذه تعرف طفرة في اثمانها منذ مدة طويلة، فكيف بها في شهر رمضان. ياتي ذلك مع مؤشرات على ارتفاع أسعار المحروقات واستهلاك الكهرباء والغاز والمياه والانترنيت. وسيأتي العيد وسيغرق التونسثون في اسعار الملابس والاحذية.
لقد عملت الدولة التونسية “زمن الاستبداد” على توسيع دائرة الطبقة الوسطى لانها عماد الدولة الحديثة، ولذلك حرصت على ضمان مقومات العيش الكريم، من مأكل وملبس، بل شهدت منذ منتصف التسعينات توجها جتى نحو الرفاه والكماليات. وكان مسؤولو الدولة يهتمون اهتماما كبيرا بأسعار المواد الاستهلاكية وكان ثمة مجهودات جبارة لتعديل الاسواق والتحكم في الغلاء وتحديد سقف الربح وهوامش الزيادة فيه.
كانت الدولة التونسية رغم كل شيئ دولة اجتماعية. ولكن الثورة التي كان يفترض بها ان تأتي بالحرية منضافا اليها الرفاه والخير العميم للجميع، لم تقم بذلك فقط بل ذهبت بالكثير من المكاسب الامر الذي جعل التونسيين يواجهون مصيرهم فرادى وحيارى دون دولة “تسهر” على حوائجهم، ولا مسؤولين “يهتمون” بأمورهم. رئيس منشغل بالمؤامرات، ورئيس حكومة منشغل بالبقاء وحكومة تشتغل بنصف اعضائها وبرلمان منغمس في العراك و”قلة الحياء” وادارة منهكة.
ورغم ذلك يتبادل التونسيون التهاني برمضان ويستقبلون آذان المغرب وهم مجتمعون سعداء بما “حفلت” به موائدهم. تلك عبقرية هذا الشعب، يحول كل شيئ الى أمل في اشد الظروف صعوبة.
Comments