فاطمة الرقيق، المديرة العامة لمجمع “ستيفان” الرائد في السلامة الغذائية: بإمكان تونس ان تحقق أمنها الغذائي والفلاحة التونسية بإمكانها افتكاك مكانة عالمية
تونس- التونسيون
في حوار شامل مع مجلة “المؤسسة” تطرقت المديرة العامة لمؤسسة “الستيفان” المختصة في الصناعات الغذائية فاطمة الرقيق الى نشاط الفرع “الرائد” في “مجمع اللومي” و الغير معروف كثيرا والناشط في مجال الصناعات الغذائية، حيث اكدت بالمناسبة على أن الفلاحة التونسية قادرة على تحقيق الأمن الغذائي الوطني وكذلك المنافسة و افتاك اسواق خارجية .
في ما يلي نص الحوار:
حين نتحدث عن مجمع ” اللومي ” نفكر في نشاط و قطاع الأسلاك و في الشركة التاريخية للمجمع ” شاكيرة”.كيف هو نشاط هذه الشركة في مجال الصناعات الغذائية وهو غير معلوم لدى الجميع؟
لقد تأسس مجمع ” اللومي ” سنة1946 على أيدي السيد محمد توفيق اللومي الذي أسس أول شركة تونسية للتجهيز الكهربائي تحت الحماية الفرنسية. و عند استقلال تونس سنة 1956 اشترى كل المؤسسات الفرنسية العاملة في مجاله و ساهم في إعادة بناء تونس من خلال وضع الخطوط الكهربائية بين المناطق الكبرى و اسهامه في كل التجهيزات الكهربائية في البلاد. و قد أنشأ في مطلع ستينات القرن الماضي أول مصنع للاسلاك الكهربائية في أفريقيا و هو مصنع ” شاكيرة ” و في ثمانينات القرن الماضي التحق الجيل الثاني من عائلة اللومي بالمجمع و دفع هذا الجيل نحو تنويع النشاط من خلال تطوير نشاط إنتاج الحزم الكهربائية و أسلاك السيارات.
و قد رغب توفيق اللومي دائما في تطوير فرع للصناعات الغذائية داخل المجمع و تولت ابنته سلمى التي كانت في تلك الفترة مديرة تنفيذية للمجمع و نائبة رئيسه القيام بهذه المهمة و أخذت على عاتقها مسؤولية تطوير هذا المشروع و هكذا دخل المجمع سنة 1994 في القطاع الغذائي و الصناعات الغذائية من خلال إنشاء ضيعة نموذجية من خلال نظام ري و تخصيب مثمنين و متطورين.
و هنا أود ان أشير إلى أنه غالبا ما يذهب الفاعلون الاقتصاديون من الفلاحة إلى الصناعة و لكننا قمنا في مجمع اللومي بعكس ذلك و اننقلنا من مجال صناعة مكونات السيارات إلى الفلاحة و قد سمحت لنا تجربتنا في المجال الصناعي أن ننظر للمشروع الفلاحي بطريقة أكثر عقلانية و نجاعة و ببحث عن أقصى مردودية ممكنة و بأن نضع في مستوى التصرف في المستغلة الفلاحية أفضل ما في تجربتنا و ما وقع التوصل إليه في ما يتعلق بقيم السلامة و حفظ الصحة و النظافة و الجودة و تتبع مسار المنتوج في كل المراحل و في كل مساحة المشروع الفلاحي. و سرعان ما أدركنا أنه كان من الضروري التوجه من أجل مردودية أكبر نحو الصناعة الغذائية. و اتصل بنا سنة 2000 رائد عالمي في صناعة الياغورت في العالم لننتج لفائدته الفراوله شديدة التجميد فلم نتردد عندها من الاستثمار في وضع خط للتجميد المكثف شديد الفاعلية و ذي طاقة إنتاجية عالية حتى يكون تزويد السوق الأوروبية ممكنا من خلال بعث شركة ” ستيفن الصناعية ” .
و في السنة الموالية أي سنة 2001 استثمرنا في وضع خط صناعي للتحويل على الدرجة الثانية لتحويل الغلال و ظهرت معه شركة ” ستيفن للغلال ” و في تلك اللحظة قررت السيدة سلمى اللومي الإستثمار في مجال البحث و التطوير و طلبت رأي خبراء دوليين في البحث و التطوير حتى يتولوا تكوين و تأطير فنيين و مهندسين في البحث و التطوير. و اليوم فإن نشاط الصناعات الغذائية في مجمع اللومي هو نشاط مندمج كليا من النبتة إلى المنتوج النهائي و هو ما يضمن تتبعا دقيقا و مكتملا لمنتوجنا و مركز البحث و التطوير التابع لنا تونسي بنسبة 100 % مع وجود أغلبية من النساء المهندسات مقارنة بالرجال
ما هي الميزات التي يوفرها نشاط مندمج و ما هي أيضا المخاطر و التهديدات الممكنة ؟
يتمثل النشاط الأساسي لمجمع “ستيفن ” في التحويل الثاني للغلال و يتجسد ذلك في صناعة مخلوطات و مشتقات الغلال من معجون و مشروبات و عصائر و تمثل الغلال عالية التجميد الجانب الأكبر من موادنا لتحويل الغلال او معجون ” فروتينال ” . إن الاندماج العمودي يبحث في أغلب الأحيان عن إلتقاط القيمة المضافة و عن تكلفة أقل و من هنا الحد من التبعية حيال المزودين و هو ما يسمح بالتسلح ضد حالات فشل السوق و لكن هذا الاندماج العمودي لا يجب أن يتم كيفما اتفق لأنه لا يمكن لمؤسسة أن تدمج كل الأنشطة من المنبع. لقد فشلت عدة مؤسسات كانت ناجحة في اختصاصها الأصلي حين حاولت أن تدمج في نشاطها و اختصاصها أنشطة مزوديها.
إن للادماج تكلفة مهمة و تنجر عنه مصاريف عامة ضخمة و هو ما يمكن أن ينعكس سلبيا على مردودية المؤسسة. ليس إدماج نشاط أمرا مهما إلا إذا كان للمؤسسة حجم يخول لها أن تضمن مردودية الأداة الصناعية. و في حالة ” ستيفن” كان من غير المجدي و دون معنى إدماج جزء النكهة إذ سيكون الإستثمار ثقيلا و ضخما من خلال إدخال حواجز تكنولوجية هامة علاوة على أن الفاعلين في هذا المجال يمتلكون احتكار السوق على المستوى الدولي و هو ما يجعل تطوير علاقة شراكة طويلة المدى مع هؤلاء المزودين أفضل حل في هذه الوضعية.
ما هو رأيك في واقع القطاع الفلاحي في تونس؟
أعتقد أن القطاع الفلاحي في تونس يواجه اليوم ثلاثة تحديات كبرى و هي محدودية الموارد المائية و مشكلة إمكانيات المشتغلين في القطاع و إعادة هيكليته التي أصبحت ضرورية و متأكدة أكثر من أي وقت مضى. ذلك أن موارد تونس من المياه محدودة إذ نمتلك معدل 450 مترا مكعبا لكل ساكن سنويا و هو معدل دون عتبة الضغط المائي المحدد بخمس مائة متر مكعب سنويا. و يضاف إلى ذلك أننا لا نمتلك موارد إضافية للمياه هذا دون أن ننسى إكراه التنامي المتواصل لملوحة الطبقة الجوفية نتيجة الاستغلال المفرط للمخزون ما تحت أرضي و مخاطر نضوب الطبقة المائية.
و من أجل ادخار الماء هناك عدة حلول تحت تصرفنا كوضع أنظمة ري قطرة – قطرة و إستعمال المياه غير النمطية و تحلية المياه و تطوير التنويعات الفلاحية التي تقبل الملوحة و تحتاج إلى كميات أقل من الماء.و يجب أن نختار و نخير دائما نشاطا فلاحيا يتأقلم مع جهاتنا و زراعة الزياتين هي مثال لواحدة من الزراعات الأكثر تأقلما مع مناخنا. و يعتبر الفلاح الحلقة الأضعف في سلسلة القيمة.
ذلك أن الماء و الطاقة و المواد المستعملة في تهيئة الأرض و تعهد النبتة غالية جدا. و لا بد من مساندة و دعم صغار الفلاحين و القيام بزراعة عصرية و يجب أن تتوفر مساحات كبرى و أن يتحقق ادخار في سلالم القيمة. يتصرف أكثر من 80 % من الفلاحين في أقل من 5هكتارات لكل واحد منهم مع نسبة انخراط في تعاضديات الخدمات الفلاحية أقل من 15 % من مجموع الفلاحين و هو ما يجعل هذه التعاضديات صغيرة إلى الحد الذي يفقدها مردوديتها و نجاعتها و استقلاليتها و يحد من قدرتها على الانتداب.
لا بد من دعم الفلاحين خاصة و أن تنظيم التعاضديات الكبرى قد بلغ حجما حساسا. و تنعكس مشكلة الإمكانيات على فلاحتنا التي هي اليوم أبعد ما تكون على فلاحة إنتاج و يشمل كلامي حتى أفضل القطاعات ازدهارا كالزياتين و التمور. حين نقارن إنتاجية نخلة في كاليفورنيا بنخلة من الجنوب التونسي من حيث الإنتاجية فإن الفارق يصل للضعف .في المناطق شبه القاحلة في تونس لدينا في المعدل 25 شجرة زيتون في الهكتار و في المقابل فإن المعدل في اسبانيا هو 250 شجرة زيتون في الهكتار.
إن افق التطور الفلاحي الجهوي هو ممركز اليوم في مستوى الوزارة و لا بد من سياسة لامركزية لهذا النشاط من خلال إسناد ميزانية للادارات الجهوية تستفيد منها المشاريع الجهوية بما من شأنه أن يزيد من فرص نجاح هذه المشاريع. و لضمان دعم و توفير تأطير . و لضمان دعم و تأطير فني أكثر قربا من الفلاحين و تطوير التنظيمات المهنية و الجامعات المهنية لأن ذلك أمر ضروري حتى تكون لهذه الجامعات المهنية الفلاحية عقود برامج و تتولى القيام بالمتابعة و المساعدة التقنية للفلاحين. إن هيكلة ثلاثية تتكون من تنظيم مهني و مسار تقني خاص( يقع تقييم اسهامه في تحسين الإنتاجية لدى الحرفاء ) و الوزارة يمثل حسب رأيي الهيكلة المثالية.
ما هو رأيك في السياسة التعريفية التونسية في القطاع الفلاحي و الصناعات الغذائية ؟
إن الدول و البلدان تضع في الغالب الاكتفاء الذاتي الغذائي هدفا لها. و في تونس فإن التنظيمات المتخصصة تقوم بعمليات تجارية تعتبرها إستراتيجية و تفرض معاليم ديوانية هامة على الغلال و الخضر لحماية المنتوجات المحلية من المنافسة. من المهم حماية زراعات الحاجيات الأساسية كالحليب و الحبوب و الزيت و الطماطم لأن في ذلك حماية لسيادة البلاد.
و في المقابل فإن الزراعات و المنتوجات غير الحيوية يمكن أن نتركها تدخل المنافسة حتى يمكن أن نرى فلاحتنا و صناعتنا تتطور . يجب أن تكون الحمائية وقتية و محدودة لأن الحماية تشجع على رفع الأسعار عكس المنافسة التي تدفع الأسعار نحو التخفيض و لا يمكن تطوير الإنتاجية و الجودة و الإبتكار دون منافسة.
لسنا اليوم تنافسيين على السوق الدولية لأنه إضافة إلى أن انتاجيتنا هي أقل أهمية من منافسينا فإن منتوجاتنا الفلاحية تخضع للاداءات عند التصدير إلى أوروبا. لقد ارتفعت معاليم حقوق الديوانة و حقوق الاستهلاك على مدخلات الصناعة الغذائية في السنوات الأخيرة و هو ما سيؤدي الى رفع أسعار منتوجاتنا الفلاحية المصنعة و هو ما سينعكس وجوبا و سلبا على تنافسية صناعاتنا الغذائية و يجعلها أكثر هشاشة و ضعفا أمام المنافسة الأجنبية.
هل تشجعين المستثمرين و الباعثين على الإستثمار في الفلاحة و الصناعات الغذائية في تونس ؟؟
توفر تونس إمكانيات تطوير فلاحي استثنائية و يجب ان نتذكر قرطاج العظيمة التي اهدت للانسانية أول عالم في مجال الفلاحة و هو ماغون الذي وضع 28 كتابا ثورت الفلاحة العتيقة و جعلت من تونس أكبر مصدر للقمح في تلك الفترة. و لزراعة الأشجار المثمرة أيضا سمعة تخطت القرون و تحافظ غلال و خضر تونس إلى اليوم على نكهة متفردة تفاجيء من يكتشفها. و حتى يكون للإستثمار مردود يجب أن يتجه إلى التنويعات التي تتاقلم مع إكراه ملوحة أرضنا و جفاف مناخنا.
إن الاستثمار في الفلاحة لا يمثل اليوم فرصة فقط بل اعتبره واجب كل التونسيين حتى يضمنوا الأمن الغذائي للأجيال القادمة. يجب أن يبقى اللون الأخضر الذي ارتبط عبر التاريخ بتونس سمتها إلى الأبد و يجب أن يكون التعلق بالأرض و حمايتها و تنميتها أولوية. انتا نعرف جميعا أن المواد الغذائية هي مواد الإحتياجات الأساسية و الأولية لأنها الأشد ضرورة لحياة الإنسان إلى جانب مواد حفظ الصحة و النظافة و الأدوية. إن قطاعات الصناعة الغذائية و الصيدلانية هي الأكثر ضرورة في مواجهة الأزمات العالمية الخطيرة و قد أكدت أزمة الكوفيد 19 ذلك. إني أشجع لهذه الأسباب و غيرها كل إستثمار في قطاع الصناعات الغذائية و يجب أن يكون لهذه الصناعة إسهام في توفير منتوج ذي جودة أكبر من تلك التي يوفرها منتوج مستورد حتى نحد من الاستيراد.
و اما الهدف الثاني فهو تثمين منتوجنا عبر تنويع العرض و تحسين التعليب و التعبئة عند التصدير. يجب أن تجد المنتوجات المنجزة من الصناعة الغذائية التونسية مكانها على السوق العالمية لأنها ترمز أيضا إلى فن الطبخ و ثقافته و هذا ما يحصل حاليا لزيت الزيتون و التمور المحولة و الهريسة و التن و يمكن أن نفعل ذلك مع منتوجات أخرى.
أخيرا هل ظلت تونس بلدا جاذبا للمستثمرين الأجانب ؟
في تقديري نعم و اليوم أكثر من أي وقت مضى. لقد جعلت أزمة الكوفيد 19 أوروبا تعي حجم تبعيتها في عدة خيرات و مجالات للمزودين الصينيين.
أعتقد أن عدة دول ستؤمن تزويدها من خلال إعادة توطين عدة أنشطة و نحن نملك عدة أوراق لجلب مشاريع جديدة لسببين على الأقل أولهما بلا منازع موقعنا المركزي في المتوسط على بعد ساعة من روما و ساعتين من باريس و في أقصى شمال القارة الأفريقية و السبب الثاني هو ثروتنا الأولى و هي الرأسمال البشري. إن التونسي هو ثمرة عملية إدماج متتالي لاسهامات إنسانية و حضارية متتالية.
لقد استثمرت تونس عند تأسيس الدولة المستقلة في رفع الأمية و التربية و التكوين و هو ما ساهم في تطوير قدرة التونسي على الخلق و الإنتاج و الابتكار و هو ما يجعله اليوم مجددا و كفاءات في عدة مجالات متطورة.
Comments