فيروس كورونا .. الهلع الكوني الكبير
منذر بالضيافي
انتشار فيروس كورونا السريع ، من خلال التمدد القياسي، الذي صاحبه ليشمل أكثر ما يمكن من دول العالم، مخلفا ورائه حالة من الخوف والهلع، و خسائر كبيرة وغير متوقعة في البشر ( حوالي 6 ألاف من الأموات) و الألاف من الحاملين للفيروس عبر العالم. فضلا عن تراجع الكبير والمذهل في النشاط الانساني والاقتصادي، نجم عن التجاء البشرية الى الاحتماء ببيوتهم لوقف العدوى، ما أدخل الاقتصاد العالمي في حالة من الركود الكبير الذي يتوقع أن يستمر لأشهر قادمة، لعل هذا ما جعل المستشارة الألمانية ميركل تعتبر “كورونا أكبر تحد منذ الحرب العالمية الثانية”.
في هذا السياق، قالت ميركل في خطاب متلفز إلى الشعب الألماني “الأمر خطير فلنأخذه بجدية.. منذ الوحدة الألمانية في الواقع منذ الحرب العالمية الثانية لم يكن هناك أي تحد لبلدنا كان فيه العمل التضامني بالغ الأهمية مثلما هو الآن”.
كما حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل جميع المواطنين اليوم على المساعدة في مكافحة انتشار فيروس كورونا من خلال تنفيذ أحدث اللوائح التي تهدف إلى الحد من التواصل الاجتماعي المباشر وتجنب حدوث إصابات جديدة قدر الإمكان.
من جهته، وصف الرئيس الفرنسي ماكرون بأن مجابهة فيروس كورونا ترتقي الى حالة الحرب، مقدمة لإعلان سلسلة من الاجراءات الهادفة الى حماية “الأمة الفرنسية” من مخاطر تمدد الفيروس واضعا كل امكانيات الدولة لتحقيق ذلك، اجراءات وقرارات من شأنها أن تقوض حتى النمط الاقتصادي الليبرالي الذي يعد ماكرون أحد تجلياته، خصوصا بعد تصرح رئيس الحكومة الفرنسي، بأنه لا يستبعد حتى اللجوء الى تأميم بعض المؤسسات والشركات، في استعادة لدور الدولة في ادارة المجتمع، وفي تأمين الخدمات الأساسية في المرفق العام خاصة في الصحة. فهل تكون كورونا ضربة للرأسمالية قد تعيد اختراع الشيوعية؟
من خلال التقديرات العالمية الأولية، في كبرى عواصم العالم ، نلاحظ أنه من المرجح أن تتواصل أزمة الكورونا لأشهر قادمة، وأنه ليس هناك ما يؤشر على أنه سيتم قريبا محاصرة الوباء وتداعياته، وهنا نلاحظ أن الأولوية حاليا وفي ما يشبه “الوصفة الوحيدة” من واشنطن الى باريس، تعطى الأولوية للتركيز على ايقاف انتشار العدوى، عبر خيار وحيد يتمثل في التحريض على اللجوء للحجر الصحي المنزلي، الذي حول كبريات العواصم الدولية الى مدن أشباح، وذلك في انتظار كسب الوقت ، لتتمكن المخابر ومراكز البحث، التي شرعت في ما يشبه السباق من ايجاد دواء ولقاح للفيروس.
نشير الى أن تقارير ذات مصداقية، تذهب الى الجزم بأن الأزمة الحالية ستمتد لأشهر طويلة، ومنها من يذهب الى القول – استنادا لآراء مختصين وخبراء- بأننا في أول مراحل هذه الأزمة، خصوصا وأن أكثرية الدول لم تبلغ مرحلة ذروة تفشي الفيروس. الذي تتوقع منظمة الصحة العالمية وفق اخر تقديراتها، أن يكون له وقع وتأثير “كارثي” على الدول الافريقية.
بعد أكثر من أربعة اشهر على انتشار الفيروس، من الصين الى بقية دول العالم، ليس هناك ما يشير الى وجود وصفة ناجعة لا للقضاء عليه بل حتى للتقليل من مخاطره، بعد أن أدخل الانسانية في وضعية من الهلع والخوف وشل كل النشاطات الانسانية، كاشفا عن ارتداد الانسان الى حالة الوهن والضعف أمام الطبيعة، التي خلنا أنه تم تجاوزها دون رجعة بفضل التقدم العلمي الذي طال كل المجالات الحياتية، وحول الكرة الأرضية الى قرية صغيرة بلا مسافات برغم التنوع الثقافي.
من الصين الى باريس الى ايران الى واشنطن، تقف الانسانية اليوم عاجزة عن التعامل مع عدو غير مرئي، وهي التي سخرت العلوم والتقنية والتكنولوجيا لحروب مع عدو معلوم ومعروف. وهنا نتفق مع ما ذهب اليه زعماء العالم من كون الانسانية تعيش حالة حرب في مواجهة وباء الكورونا،
وان كان وصف الحال متفق عليه، فانه وان تباينت طرق المعالجة خصوصا بسبب المعطى الثقافي والأنثروبولوجي بين الشعوب، ما يجعلنا نتحدث عن خطة اسيوية وأخرى غربية، فان الجزم بأن القضاء على كورونا ما يزال بعيدا وليس في المنظور القريب، وبالتالي على الانسانية أن تهيأ نفسها للتكيف مع نمط وأسلوب حياتي جديد هو أقرب الى سجن كبير.
نمط حياتي جديد، قوامه أو أولويته الحرص على تأمين البقاء، و هو قطعا في قطيعة مع النمط الاستهلاكي المعولم، الذي اسس له مجتمع الاعلان أو مجتمع الوفرة، المرتبط بالاقتصاد الرأسمالي وما بعد الرأسمالي.
Comments