الجديد

منذر بالضيافي

في الحاجة الملحة للمشروع الوطني: عجز الموجود وغياب المنشود  

منذر بالضيافي

تكشف كل التقارير الصادرة منذ فترة، عن مراكز بحث محكمة، الى ان العالم دخل مرحلة صعبة، سمتها الاساسية حالة ركود اقتصادي، ستترجم في الواقع – وهذا ما بدأ فعلا – عبر ارتفاع معدلات التضخم، وما صاحبها و يصاحبها من ارتفاع جنوني للأسعار .

وهو ما ستدفع فاتورته باهظة الاقتصاديات الضعيفة، مثل بلادنا تونس، التي تواجه ازمة كونية حادة، و اوضاعها الداخلية تمر بأزمة مركبة و شاملة ومعقدة.

لعل ابرز عناوينها حالة الانقسام المجتمعي الغير مسبوقة، وتصاعد منسوب الصراع حول السلطة، بين سلطة تخطط ” للتمكين” لها، ومعارضة تخطط لاستعادة السلطة ونخب تجري وراء “سراب” استعادة مسار الانتقال الديمقراطي، و في الاثناء يستمر اهمال الاهتمام بحياة الناس، التي يمثل الاقتصاد اساسها وعمودها الفقري.

كما يستمر “تصريف الاعمال” – لا الحكم – بلا رؤية وبلا تصور وبلا تخطيط، اما علاقاتنا بالخارج، فهي ليست افضل من اوضاع الداخل، حيث تواصل دبلوماسيتنا حالة ” السبات العميق”..

وهي المطالبة في زمن الازمات خاصة، بالتحرك لجلب المنافع والاستثمارات، عبر وضع نقاط قوة بلادنا – وهي كثيرة – على طاولة دول العالم لجلب الاستثمارات.

لكن ضعفها البنيوي – برغم وجود الكفاءات – وغياب سياسة خارجية واضحة المعالم والاهداف، وثقل الازمة الداخلية التي تتمدد مع الايام و التي اصبحت اكثر تعقيدا، جعلها عاجزة عن التحرك الايجابي، والاكتفاء بمجرد تسجيل الحضور في القمم والمناسبات الدولية.

اما مجتمعيا فقد اختار السواد الاعظم من التونسيين، ما يمكن ان نطلق عليه ” الجلوس على الربوة” ، والاكتفاء بالمشاهدة ، وهو ما عمق حالة من اللامبالاة التي تبعث على الحيرة والقلق.

برزت هذه الوضعية من اللامبالاة، من خلال استقالة جماعية، عن متابعة الشأن العام والاهتمام به.

ولعل نسبة العزوف الكبيرة في الاستحقاق الانتخابي الاخير، والتي ترتقي لتكون لا مجرد ” مقاطعة” للطبقة السياسية، في الحكم فقط، بل ايضا تلك التي في المعارضة، واكثر من ذلك هي مقاطعة للنخب والاعلام والمجتمع المدني ايضا.

ولعل نسبة العزوف الكبيرة في الاستحقاق الانتخابي الاخير، والتي ترتقي لتكون لا مجرد ” مقاطعة” للطبقة السياسية، في الحكم فقط، بل ايضا تلك التي في المعارضة، واكثر من ذلك هي مقاطعة للنخب والاعلام والمجتمع المدني ايضا.

تونس اليوم، في حاجة الى مشروع وطني، تحوله نخب وطنية الى حلم جماعي، حينها وحينها فقط، سننقذ بلادنا ونضعها على سكة الاقلاع، والنهوض، وهذا يفترض وجود:

** احزاب ديمقراطية تسيرها قيادات وطنية

** اعلام مهني يكون منبرا لطرح القضايا الحقيقية وتأطير الراي العام

** مشاركة شعبية واسعة في الشأن العام

بعيدا عن الاصطفافات السياسية والايديولوجية، فان حصاد السنوات الاخيرة ( منذ 14 جاني 2011 والى اليوم )، كشف عن غياب المشروع الوطني الجامع والموحد، وهو ما يفسر وضعية الارتباك والعجز الرسمي ( لمنظومة الحكم) في ادارة البلد، في تزامن مع عجز لدى المعارضة التي تتسم بالتفكك والانقسام وغياب البديل.

هذا فضلا عن عجز لدى النخب في انتاج المعنى الذي يساعد على فهم الشأن الجاري و على استباق الازمات و التحولات.

تعيش تونس اليوم، مرحلة انتقالية صعبة بل مؤلمة ، وسط ازمة شاملة ومركبة، يختلط فيها ضعف الاداء بغياب البديل .

كل ذلك مصحوبا بحالة من الانهيار القيمي الغير مسبوقة، وهو ما يبرز من خلال تمثلات عديدة في الواقع مثل انتشار الجريمة والفساد.

كما نلاحظ تفشي حالة من القلق المجتمعي العام، و التي تترجم من خلال ارتفاع منسوب التشاؤم، والحيرة والخوف من القادم.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP