في الذكرى الرابعة لرحيله : صلاح الدين قايد السبسي يكتب عن “سي الباجي” الأخ والصديق و الزميل
صلاح الدين قايد السبسي
ليست هذه السطور مجرد عودة روتينية على الذكرى الرابعة لرحيل الرئيس الباجي قايد السبسي– طيب الله ثراه – ( 25 جويلية 2019/ 25 جويلية 2023) لأنني لم أشعر يوما أن شقيقي و زميلي و صديقي ” سي الباجي” أو “البجبوج” كما يحلوا للتونسيين تسميته ومناداته قد رحل عنا، برغم إيماني الشديد بأن الموت حق و بأننا نكدح لملاقاة الله، لذلك فان هذه السطور أردتها ذاتية/ شخصية ، كما اخترت أن أعود فيها على بعض من جوانب شخصية الراحل كما عرفته كأخ وصديق وزميل عمل تاركا البقية للمؤرخين، وهي سطور يمكن أن تكون أقرب الى تجسيد للمقولة الشهيرة : “و إنما المرء حديث من بعده”.
شخصيا استحضر مواقفه و أسلوبه في معالجة الأشياء كل يوم لأن ما ربطني به مسيرة طويلة جعلت كل واحد منا ينظر للآخر بأنه صديقه الوحيد. و لكن ما يثلج صدري في ذكرى رحيله الرابعة هو تواصل “الاحتفاء” بالرجل برغم الاختلافات والتباينات حول مساره السياسي، وهو واختلاف طبيعي ومفهوم و “لا يفسد للود قضية” كما يقال، لكن مع ذلك فان الكل – تقريبا – يجمع على أن مسيرته كانت مشرفة و استثنائية و هذا يكفي في حد ذاته.
فقد نذر الباجي قايد السبسي حياته لخدمة شعبه و بلاده من منطلق ما يحمله من حب لتونس و لشعبها فبادله الشعب حبا عفويا تجلى في انتخابه رئيسا للجمهورية و في مناداته ” بجبوج” و هي مناداة تعكس إحساسا بالقرب لم يمنح لغيره من الشخصيات السياسية و في جنازة لم تشهد تونس المستقلة لها مثيلا.
لقد كان الباجي قائد السبسي مسكونا في نظرته للشأن السياسي بإيجاد مجتمع أفضل للشباب و هذا ما جعله يعود بعد 14 جانفي 2011 إلى الحياة السياسية لأنه شعر أن ما حدث هو في جوهره انتفاضة شعبية مشروعة ضد القهر و الظلم والفساد و أن محرك هذه الإنتفاضة هم الشباب الذين خنقتهم المحسوبية و كل أشكال الفساد و الكبت السياسي الذي منعهم من التعبير عن آرائهم و من المشاركة في صياغة مستقبلهم.
سبق للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي و قبل رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عن السلطة أن ألف سنة 2008 كتاب ” الحبيب بورقيبة الأهم و المهم ” و الذي أهداه إلى الشباب بهذه العبارات المؤثرة و ذات الدلالة ” أهدي هذا الكتاب إلى شباب بلدي الذين لم يعيشوا الأحداث التي قادت إلى انبعاث تونس المستقلة على أمل أن يجدوا فيه أجوبة عن بعض من الأسئلة التي يطرحونها و دوافع للإيمان بالمستقبل “.
ان الإيمان بالمستقبل هو الذي جعل الباجي قائد السبسي يدرك مبكرا ضرورة إحداث إصلاح شامل في أساليب الحكم التي اعتمدها الحبيب بورقيبة من أجل الاستجابة لتقدم الوعي و لتطلع شباب تونس منذ سبعينيات القرن الماضي إلى الديمقراطية .
لم يساوم الباجي قايد السبسي على هذه المبادئ و حاول – ما استطاع – لما تولى رئاسة الحكومة ثم رئاسة الجمهورية وضعها موضع التطبيق . من خلال القيام بمبادرات هدفها ترك رسالة للمستقبل كما هو الشأن بالنسبة لمبادرته حول المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل و التي تبقى – على خلافيتها – مهمة متروكة للأجيال القادمة.
لا يمكن أن استحضر ذكرى رحيل الباجي قايد السبسي دون أن أتوقف عند الجوانب الذاتية من خلال علاقتي به كأخ و زميل و صديق.
فقد كان “سي الباجي” أخي الأكبر الذي أقام علاقته معي على أساس المسؤولية و العطف و المحبة. و كان يشعرني بمسؤوليته تجاهي دون وصاية أو ضغط و ساهم في تطوير شعوري بالمسؤولية تجاه نفسي و تجاه الآخرين و كان عطوفا و محبا لي و لكل محيطنا إذ لا استحضر يوما أساء فيه لفظيا أو معنويا للمحيطين به و المتعاملين معه.
أما الباجي قايد السبسي الذي جمعتني به الزمالة في مهنة المحاماة فقد كان حريصا على أن يمارس عمله بكامل الجدية و على أن يحترم بصرامة أخلاقيات المهنة و هو ما وضعه في مرتبة أعلى من الشبهات إذ أحترم زملائه و شرف المهنة.
Comments