في حواره التلفزي: الياس الفخفاخ .. أغضب الجميع !
خديجة زروق
تفرض أهمية العملية الاتصالية في الممارسة السياسية الحديثة الانطلاق من السياق و ” الشكل ” عند محاولة الوقوف عند ما قيل و ما “تسرب ” عبر الايماءة و الحركة في كل ظهور تلفزي.
ولعل الانطلاق من هذه الزاوية قد لا يخدم كثيرا إلياس الفخفاخ في الحوار الذي أدلى به البارحة لقناة ” التاسعة ” و إذاعة ” موزاييك ” .
لم يكن هناك من الناحية الموضوعية سبب يمنح الياس الفخفاخ حق ” الاستئثار ” بساعتين كاملتين من الزمن التلفزي إذ امتد الحوار مائة دقيقة كاملة و الساعة التلفزية هي من التقنية إتنان و خمسين دقيقة، خصوصا وان لقاء مهم سيجمعه يوم 25 جوان الجاري بنواب الشعب لعرض برنامج حكومته للفترة المقبلة وخاصة في بعديه الاقتصادي والاجتماعي. فلماذا سرع الرجل بالخروج في شكل اتصالي “مستهلك” جدا؟.
لم يطرأ مستجد إلا إذا ما اعتبرنا أن رئيس الحكومة و مستشاريه قد انطلقوا من قراءة لأهم أحداث الأسبوع الفارط و اعتقدوا أنه من ” المثمر ” إستغلال تدهور صورة البرلمان و غرقه في معركة اللوائح العبثية و فتور نشاط رئيس الجمهورية من أجل التموقع في المشهد كطرف “فاعل”، لكن مع ذلك فان الفخفاخ “نجح” في اغضاب الجميع، وظهر في جلباب الحاكم بامره وما على الجميع الا “السمع والطاعة”، لذلك نتوقع ردود أفعال من “الكل” خاصة من اتحاد الشغل، الذي اختار لحد الان “التريث” وعدم التسرع في التفاعل مع حوار الفخفاخ الأخير، لكنه سيرد غدا الأربعاء بعد عقد مكتب تنفيذيسيتناول بالدرس كلام ومواقف رئيس الحكومة.
براينا هناك غياب ” لسبب وجيه” يجعله يعجل بالخروج الاعلامي قبل الموعد البرلماني المرتقب قريبا جدا ، باستثناء تجديد اعلان الانتصار على الكورونا، دون عرض خطة أو برنامج لتوظيف هذا الانتصار لتجاوز الأوضاع الاقتصادية الكارثية، جعل اللقاء يدخل في التمطيط الذي تحول إلى ما يشبه إستعراض من قبل الصحفي ل “قدراته” على المقاطعة أكثر من منصة يوجه من خلالها رئيس الحكومة رسائله، وهو ما افقده الكثير من الحيوية و أضعف قدرة المتابعين على التركيز خاصة و قد تنوعت المحاور و تعددت.
لا شك أن ” المنطق ” كان يفرض على إلياس الفخفاخ التركيز على ” الإنتصار ” الذي حققته تونس في الحرب على الكورونا و تحويل هذا الإنتصار إلى مدخل لعقد إجتماعي جديد و لأهداف جماعية جديدة خاصة و أن الجميع يتفق على أن هذا الوباء خلق وضعا جديدا يتعين التعامل معه.
و هنا أول مطب وقع فيه إلياس الفخفاخ هو أنه حاول ” الاستئثار ” بالانتصار لحكومته و بشكل أدق لنفسه و هو ما جعله ” يخطئ ” التقدير عند الحديث عن “معركتين ” أساسيتين سيخوضهما في المدة القادمة.
و هما معركة ” تثبيت” التحالف الحكومي بشكله الحالي أو ” توسيعه ” كما تصر حركة النهضة على ذلك إذ أبدى ” تعاليا” واضحا على مطلب حركة النهضة. في الدعوة “الملحة” لتوسيع الحزام السياسي والبرلماني لفريقه الحكومي.
و لا يمكن نقد هذا ” التعالي ” لأن لرئيس الحكومة الحرية في التعامل مع مكونات المشهد السياسي بالكيفية التي يراها أنسب له و لكن إلى أي حد يملك إلياس الفخفاخ امكانيات سياسته و هو بالمنطق العددي الحلقة الأضعف في هندسة التحالف الحكومي.
و هو أمر أشار إليه بوضوح حين أعتبر أن مشيئة الله هي التي ساقته لقصر القصبة، و هو ما يمثل مفارقة إذ تحول إلياس الفخفاخ الحداثي و صاحب الرؤية الأقرب للعلمانية و العلم إلى شخص أقرب إلى منطق لا يقنع حتى إطارات حركة النهضة ذات الغطاء الديني و الذين يؤمنون أن السياسة حسابات و مناورات و الذين لن يقبلوا مهما تقلص وزنهم أن يتعالى عليهم إلياس الفخفاخ بهذا الشكل.
وقوع رئيس الحكومة في المفارقات تجلى أيضا في تبسيطه لوضعية تضارب المصالح التي يعيشها بوصفه رئيس حكومة و مساهم في نفس الوقت في شركات تتعامل مع الدولة في الصفقات العمومية في حين يدرك الجميع أن تضارب المصالح هو شكل من أشكال ضرب الشفافية و مدخل من مداخل الفساد.
يبدو أن إلياس الفخفاخ أراد تعويض ضعف الحزام السياسي أو استباق ” رمي المنديل ” بتبني منطق المرور بقوة في ملف المؤسسات العمومية و القطاع العام في حين يدرك الجميع أنه لا يمكن فتح هذا الملف بطريقة إيجابية دون انخراط الاتحاد العام التونسي للشغل و دعمه.
وفي ذات السياق يتنزل حديث إلياس الفخفاخ عن إمكانية اللجوء إلى ” استهداف ” أجور الموظفين و جرايات المتقاعدين و هو أمر يصعب أن يقبله الطرف النقابي علاوة على أن وقعه كان سلبيا على المعنيين به.
و هو ما يعني أن إلياس الفخفاخ قد فتح و دون مبرر موضوعي بابا من أبواب التوتر في العلاقة بالرأي العام و ألقى جمرا إضافيا على نار الاحتقان و ابتعد خطوات عن المدرسة الديمقراطية – الإجتماعية التي ينتسب لها نظريا و كان أقرب للمدرسة الليبرالية التي تهتم كثيرا بالعدالة الإجتماعية.
Comments