الجديد

في ذكراها ال 66: تونس و صراع البحث عن “نظام الحكم الجمهوري” ؟

منذر بالضيافي

منذر بالضيافي
منذر بالضيافي

 

في الذكرى 66 لإعلان الجمهورية في تونس،  يستمر صراع البحث عن الجمهورية، تحديدا عن “نظام الحكم الجمهوري” الأمثل في أكثر تعريفاته تداولا، فمنذ سقوط حكم البايات في 25 جويلية 1957 الى يوم الناس هذا ( 25 جويلية 2023 )،  لا يتوقف صراع البحث عن “الجمهورية”، التي كانت بداياتها واعدة، ومبشرة بما عرف لاحقا “بالأنموذج التونسي”، لكن تسربت الي هذا “الأنموذج” الأزمات مبكرا، وفي زمن التأسيس، مع المؤسس الحبيب بورقيبة، لتتحول خلال فترة  حكمه الى “حكم فردي” وضع استمر بعده، وترجم لاحقا ما أصبح يعرف “بأزمة الدولة الوطنية”، صراع حول “الجمهورية” أخذ عناوين ثلاثة: “الرئاسوية” مع “الأب المؤسس” الحبيب بورقيبة، و “البرلمانية” خلال فترة حكم “الاخوان” بعد انتفاضة 2010/2011 و “الشعبوية” مع الرئيس الحالي، قيس سعيد.

وهو في الواقع صراع حول السلطة، و حول من يهرب “بالقطعية” ( بالتعبير الشعبي التونسي المتداول)، وليس صراع برامج، ولا صراع حول التمثل الأقرب لجوهر فكرة ” نظام الحكم الجمهوري”.

اذ إنّ نظام الحكم الجمهوريّ في أكثر تعريفاته المتداولة هو “هو نظام الحكم العام الأقرب إلى النظام الديمقراطي العام، والذي تعود أصوله إلى الحكم اللاتيني أو اليوناني، ويعني نظام أو أسلوب الحكم الذي يقوم على مبدأ سيادة أبناء الدولة الواحدة ومشاركتهم في اختيار حاكمهم الذي تحدّد مهام عمله عبر الدستور، ويحقّ لأبناء الجمهوريّة المشاركة في كافّة مجالات الحياة السياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والدولية، حيث لا يستطيع الحكام أخذ قرارات بمعزل عن الرجوع إلى رأي شعوبهم عن طريق الانتخاب والتصويت وإبداء الآراء، ويتمّ استفتاء كافّة فئات الشعب في القضايا والشؤون الهامة بحيث تكون نتيجة التصويت ملزمة للرئيس على تنفيذها اعتباراً من تاريخ إعلان نتائج الاستفتاء، ويشترط رضى الشعب عن أداء الحاكم لضمان استمراره في حكم الجمهوريّة، كما ويحدّد فترة أو مدّة الحكم الخاصة به، كأربع سنوات مثلاً للحاكم الواحد، ويشترط أن يحمل جنسيّة الجمهوريّة التي يحكمها ولا يحمل جنسيّة سواها”.

 فأين “جهوريتنا” منذ تأسيسها، الى اليوم  وبعد 66 سنة، من هذا التعرف الشهير والمتداول عن “نظام الحكم الجمهوري” الذي هو الأقرب الى “النظام الديمقراطي العام”؟

وبالمناسبة، نريد أن نشير الى أن المشكل ليس في النظام السياسي، بل في النخب التي تحتكر وتتصدر الفعل الحزبي والسياسي، فلا يمكن أبدا بناء نظام ديموقراطي بنخب سياسية غير ديموقراطية، وهو ما يحيلنا الى الحديث حوا ” الاستعصاء الديموقراطي”، وتجذر “ارث الاستبداد” في عالمنا العربي، برغم أن ” المثال التونسي” كان يتوقع أنه واعد، لكن فشل واستعادته عملية صعبة ومعقدة.

في الحاجة الى المشروع الوطني العصري

تتأكد اليوم، ونحن نحيي الذكرى 66 لإعلان الجمهورية ( 25 جويلية 1957/ 25 جويلية 2023 )،  الضرورة بل الحاجة الملحة الى “نظام الحكم الجمهوري” القائم على فكرة تمثل لمشروع  وطني عصري.

ان تونس اليوم، في حاجة الى مشروع وطني عصري، تحوله نخب وطنية الى حلم جماعي، حينها وحينها فقط، سننقذ بلادنا ونضعها على سكة الاقلاع، والنهوض،  وهذا يفترض وجود:

 

*** احزاب ديمقراطية تسيرها قيادات وطنية يكون ولائها لتونس وتونس فقط.

 

*** اعلام مهني يكون منبرا لطرح القضايا الحقيقية وتاطير الراي العام و مساعدة صانع القرار.

 

*** مشاركة شعبية واسعة في الشان العام.

 

*** منوال تنموي جديد.

 

*** عدم توظيف الدين في الصراع السياسي.

 

كشف حصاد السنوات الاخيرة، كشف عن غياب المشروع الوطني الجامع والموحد، وهو ما يفسر بوضعية الارتباك والعجز الرسمي (منظومة الحكم) في ادارة البلد، في تزامن مع عجز لدى المعارضة التي تتسم بالتفككك وغياب البديل.

هذا فضلا عن عجز لدى النخب في انتاج المعنى الذي يساعد على فهم الشان الجاري و على استباق الازمات و التحولات.

تعيش تونس اليوم، مرحلة صعبة بل مؤلمة ، وسط ازمة شاملة ومركبة، يختلط فيها ضعف الاداء بغياب البرنامج ، ما يجعل المستقبل غامض ، يجري هذا في ظل تحولات إقليمية ودولية متسارعة، تغلب عليها مظاهر التوتر .

كل هذا المشهد الغائم ، في الداخل كما في الخارج، نجده مصحوبا بحالة من الانهيار القيمي الغير مسبوقة، وهو ما يبرز من خلال شواهد عديدة في الواقع مثل انتشار الجريمة والفساد.

كما نلاحظ تفشي حالة من القلق المجتمعي العام، و التي تترجم من خلال ارتفاع منسوب التشاؤم، والحيرة والخوف من القادم.

 لا يمكن فهم الشأن الجاري دون العودة الى “ارث الجمهورية” منذ التأسيس، ونجيب عن ئؤال مركزي واساسي وهو : لماذا فشلت الدولة الوطنية في تونس وفي العالم العربي؟

ما تعيشه تونس والعالم العربي، من تخلف تنموي ، هو راجع اساسا الى فشل الدولة الوطنية الحديثة، التي استلمت الحكم، بعد خروج الاستعمار، في تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية، على حد السواء.

أزمة الدولة الوطنية الحديثة 

اذ فشلت هذه الدولة في تحقيق حاجيات وانتظارات ” رعاياها” ( لان الحديث عن المواطنة يجرنا الى قصة اخرى من الفشل وتجذر الاستبداد والتسلطية في عالمن العربي وهنا يستوى الشق الجمهوري مع الملكي)، واعادة انتاج الفشل.

وللتدليل على ذلك، يمكن القيام بمقارنات لكي يتضح الحال، ولكي لا يفهم البعض من قاصري الفهم، اننا بصدد التهجم على دولة الزعماء والمحررين.

فمثلا تونس، استقلت مع كوريا الجنوبية، فأين نحن منهم، برغم ان لنا الامكانات والموارد افضل منهم بكثير، المثال الثاني بين مصر والهند، اذ تم اعلان الجمهورية في البلدين في نفس السنة، وكان ناصر صديق لنهرو ورفيق له في معسكر عدم الانحياز.

مصر تقف اليوم امام ازمة مركبة ومعقدة و غير مسبوقة، أضعفت كيان الدولة اصلا، وـصبحت معه مرتهنة لاقتصاد يقوم على المساعدات الامريكية والغربية والهبات الخليجية.

في المقابل نجد الهند، قد تحولت الى قوة اقتصادية خامسة في العالم، تجاوزت بريطانيا التي كانت تستعمر شبه القارة الهندية. كما تجاوز عدد سكانها _ الهند _ الصين الشعبية، ولم يكن هذا الانفجار السكاني في مساحة هي تقريبا مساحة دولة الجزائر ، ودون موارد طبيعية تذكر مثل الغاز والبترول، عائقا يمنعها من التحول الى نمر اقتصادي.

مثلما تقدم ، ومن خلال مثالين فقط، يتبين لنا الفشل الذريع للدولة الوطنية العربية، في بناء دولة قوية وعادلة وتنموية، وهنا نتغاضى عن الديموقراطية فهي مطلب مزعج لحكامنا القدامى والجدد.

بقدر نجاح هذه “الدولة” في شيوع الفساد ونهب المال العام ، وفي تجذير الاستبداد ، و تأبيد اوضاع سكانها كرعايا لا كمواطنين.

مع بورقيبة، كانت البدايات الاولى، حاملة لمشروع وطني، انجز في وقت قياسي عدد من المكاسب، التي حررت المجتمع، ووضعت اسس دولة حديثة. لكن – للأسف- سرعان ما توقف المشروع ليتحول الى ” حكم مدى الحياة” ( باى جديد ).

وانتصر “هوس الزعامة” على “فكرة المشروع”، فكانت كل خطط التنمية فاشلة، وخضعت لمنطق التجريب ولا شيء غير التجريب.

الآن و هنا، وبعد واقعة 14 جانفي 2011، بقت دار لقمان ليس على حالها فقط، بل اتجهت نحو الأسوأ، وان تغيرت الشعارات و التوجهات و الاسماء.

وفي المحصلة، بقت “الدولة الوطنية ” العربية وفية لإرثها المتمثل: في ” مرض الزعاماتية”، و ” التمكين ” لشخص الزعيم وبرنامجه وتنظيمه ( الحزب او  الجماعة)، كما استمر غياب المشروع الوطني.

 

 

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP