في ذكرى اعلان الدستور: راشد الغنوشي يؤكد: “لا مجال لتقسيم التونسيين ولا حلّ الا بالحوار وعودة المسار الدستوري”
المهدي عبد الجواد
بعد ستة أشهر من قرارات الرئيس قيس سعيد الاستثنائية وتعليقه عمل البرلمان، عقد مجلس نواب الشعب اليوم 27 جانفي 2022 اجتماعا عبر تطبيقة الكترونية للاجتماع عن بُعد.
“اجتماعا” بمناسبة ذكرى ختم دستور الجمهورية التونسية الثانية يوم 27 جانفي 2014، ولقد استغل راشد الغنوشي رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة الإسلامية الفُرصة ليتوجّه بكلمة للنواب وللشعب التونسي وللرئيس قيس سعيد وللقوى الخارجية التي تُراقب بقلق بالغ تطوّرات الأحداث في تونس.
في توقيت الاجتماع
لقد انتظرت رئاسة “مجلس نواب الشعب” ستة أشهر، لتنفيذ فعلي للقاء برلماني، فقد تمّت قبل اجتماع اليوم دعوات كثيرة لكنها لم تُتوّج، ونحن نعتقد ان “رئاسة المجلس” راهنت على تآكل شعبية الرئيس التدريجية، وتعمّق الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، وتنامي العُزلة الخارجية للرئيس ومن معه، وهو ما أشار اليه راشد الغنوشي صراحة في كلمته. فقد حرص “رئيس مجلس نواب الشعب” المُعلّقة أشغاله على التذكير بحصيلة “الانقلاب” فبدت فقيرة وسلبية، وفق ما أصر على تبيانه والتأكيد عليه.
تساءل الغنوشي قائلا: ما الذي تحقق بعد ستة اشهر من الانقلاب على الدستور؟ واستحضر في اجابته “الازمات المركّبة” التي تعيشها تونس وخاصة “الازمة المالية الخانقة التي بدأت تفرض نفسها في التهاب الأسعار وفقدان المواد الأساسية وتأخر المرتبات” وهو ما جعل الوضع الاجتماعي “يتهيأ للانفجار و انقسام بين أبناء الشعب “تُذكيه اعلى سلطة في البلاد” وكرّس “الغموض واللا يقين” وعمّق “عُزلة تونس الخارجية”.
قدم الغنوشي هذه الصورة السلبية لحصيلة “الانقلاب” والتي تحضرُ في ذكرى ختم دستور الثورة، حيث حرص راشد الغنوشي على ابراز أهمية الحدث خاصة من جهة كونه “لحظة فارقة في تاريخ تونس”، لأنه ثمرة “التوافق الذي قاد الى الدستور” وخُلاصة “تضحيات أجيال من التونسيين” حتى صار “دستور الثورة خيمة لكل التونسيين”، وفق تعبيره.
التونسيون والرئيس
و في عملية تواصلية استعاد راشد الغنوشي نفس تقنية خطاب الرئيس سعيد. فقيس سعيد كان حريصا منذ فترة طويلة وخاصة منذ 25 جويلية على تطوير خطاب ” ادمن بث ثقافة الكراهية والتحريض والتقسيم والعداوة والبغضاء وشيطنة المُخالف بدل ثقافة المواطنة والعمل أداء الواجب” وبدل العمل على “تجميع القوى للمستقبل” بعد ختم الدستور كان 25″ جويلية انقلاب على هذا المكسب وتمزيق وحدة التونسيين التي تجلت في الدستور. خروج على الدستور ” وبدل استكمال بناء المؤسسات الديمقراطية قام قيس سعيد بــ “تعطيل المؤسسات واغلاق الهيئات الدستورية من اجل تجميع السلطات في يد شخص واحد هي لعمري المفسدة المُطلقة”.
بنى راشد الغنوشي مداخلته على إقامة مقابلة بين “التونسيين” وقيس سعيد، حيث بدا التونسيون متمسكون بالتوافق وبالديمقراطية، وأظهروا “إستعدادهم للتضحية والعودة للارضية الدستورية والعمل المشترك والعيش المشترك في وطن موحد يؤمن بالاختلاف ويضع الأسس القانونية لإدارته”. وهو ما جعل التونسيين “جديرون بالحرية والنظام الديمقراطي” عكس الذين “يقفون ضد إرادة الشعب” ممن تحوّل الى “خطر عليه جاثم”.
في أزمة الديمقراطية
إعترف راشد الغنوشي بكون “الديمقراطية الناشئة” في تونس “تمر بمطبات وصعوبات” ولكنه واصل في إقامة الحجة على قيس سعيد. فوضعه في مقابل ما يلومه الإصلاح الديمقراطي.
إذ ورغم تأكيده على أزمتها فإنه بيّن ان الطريق يكون “بإصلاحها لا بالانقلاب عليها والذهاب نحو المجهول ” وبيّن الغنوشي ان ” اصلاح الديمقراطية يتم” من داخلها بالديمقراطية، لانها تتفوق بقدراتها الذاتية على التجدد والإصلاح وهو ما يعني مزيد من الديمقراطية” وحرص على إبراز ان ما يقوم به الرئيس قيس سعيد هو اعتداء على جوهر النظام الديمقراطي عبر “فاشيات جاثمة او شعبويات تائهة واستشارات شكلية لتسويغ تمرير خيارات فردية ارتكاسا بالبلاد الى أسوأ صور الاستبداد”.
وحرص راشد الغنوشي على العودة الى “ازمة البرلمان” فأكد ان مجلس نواب الشعب كان ضحيّة عملية ” شيطنة بتدمير مسبق، ومن خلال سياسة التشفي بنية مبيتة” وذكّر رئيس “المجلس المُعلّق” بكون الاختلافات امر شائع وأنه “لو تم تعليق نشاطات البرلمانات التي تشقها الاختلافات لما بقي برلمان واحد”.
ولم يفت الغنوشي التذكير بكون ” البرلمان هو جوهر العملية الديمقراطية واهم مؤسسة تدير الاختلافات وتعكس تنوع المجتمع” غامزا لقيس سعيد لان “شيطنة المجلس هي استبطان لقيم الاستبداد”.
آفاق الخروج من الازمة
أكد الغنوشي أن الازمة الحالية فرض مسؤولية المواجهة فــ “لا مخرج الا اللحمة الجماعية والتصميم على مواصلة السير في الطريق الديمقراطي باستكمال المؤسسات الدستورية واحترام استقلال القضاء” .
واكّد فيما يُشبه النقد الذاتي اننا “نحتاج الى نقد بناء ومتواصل ومراجعات كبرى من اجل وطن آمن مستقر وديمقراطي وعادل” وهو ما يُمكن ان يقودنا الى “حوار وطني شامل حول الخيارات الوطنية الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية،على غرار 2013″.
ولكن الغنوشي حرص على كون هذا الحوار يجب ان يتمّ في مناخات سياسية ودستورية مُغايرة لما تعيشه تونس اليوم.
فأكد على ضرورة ” الغاء الامر الرئاسي 117، وعودة الشرعية الدستورية واطلاق سراح المساجين السياسيين” ولم ينس رئيس مجلس نواب الشعب ان يؤكد ان كل الحلول المُمكنة يجب ان تمرّ عبر البرلمان “فلا مناص من المرور بالبرلمان، الذي يجب ان يُسهم في تنظيم انتخابات” تُجدّد الشرعية.
لقد استفاد راشد الغنوشي من ارتباك “السلطة الجديدة” خاصة بعد الاستقالة “الزلزال” لاحد أهم أعضاد الرئيس، وتواتر الدعوات الدولية للرئيس سعيد من اجل العودة للمسار الديمقراطي، وسط بروز الآثار السلبية لحالة “الحصار غير المُعلن” التي تُعاني منها “تونس سعيّد”.
وبقطع النظر على المواقف السلبية من راشد الغنوشي، ومن مؤسسة البرلمان ومن عدد المشاركين في جلسة اليوم، فإن عقد “جلسة برلمانية” ولو شكلية، تزيد في إرباك الرئيس وتؤكّد بداية فقدانه لعناصر المُبادرة.
ولا شكّ في كون هذه الجلسة ستكون فاتحة “تجرّؤ” أكبر على الرئيس وهو ما سيُظهره في موقف العاجز على تنفيذ قراراته، في ظل وضعية اقتصادية تزداد سوءا، وعزلة دولة تزداد حدّة، وضغوط خارجية لم تعُد خافية.
Comments