في ذكرى اغتيال صدام حسين .. التآمر على الأمّة العربية مستمرّ
شعبان العبيدي
يعود يوم 30 ديسمبر من كلّ سنة ليعيد لنا ذكرى مؤلمة كانت نتاج مؤامرة عربية وصهيـــونية لم تكتف بتدمير العراق الدّولة العربية الّتي استطاعت أن تحقّق في ظلّ حكم صدام حسين – أيا كان الموقف منسياساته – أشـــواطا في التقــــدم والرقيّ الاقتصادي والعلمي والتقني وأن تصبح قطبا عربيا يحسب له العدوّ الأمـــــــــريكي الصهيـــوني والغربي ألف حساب، بل عمدت هذه الدّول المتحالفة مع أنظمة عربية رجعية إلى مـــــزيد مـــــن إذلال العربي وإهانته بإعدام صدام حسين يوم عيد الأضحى سنة 2006.
وهو رابع رئيس لجمهـــــورية العراق كان من أبرز قادة الانقلاب ضدّ حكومة عبد السّلام عارف سنة 1966، بعد ما تعـــــرّص له من سجن وتعذيب بسبب الأحداث السياسية التي كانت تهزّ الحكومات العراقية. حين أصبح نائبا لأحمد حسن البكر، ليتمكّن بسمعته وما قام به من أعمال وبرامج وطنية واقتصادية وإحكــــــــام قبضته على جهاز المخابرات وتصدّيه للصراعات العصبية والاجتماعية والعقائدية من تسلّم مقاليد الحكم سنة 1979 بعد استقالة البكر.
وبعيدا عن قراءة مرحلته التّاريخية بسلبياتها وإيجابياتها، وما عرفته العراق من حركات احتجاج داخلية خاصّة في الجنوب الشيعي، ودواعي الحرب مع الحكومة الإيرانية بعد نجاح الثــــــورة ضدّ الشّاه، فإنّ صدّام حسين يظلّ من خلال ما قدّمه لوطنه، ومن حقّقه للعراق من تقدّم وازدهار على كافّة المستويات ولم تكن حرب الخليج إلاّ تعلّة لوقف طموح هذا الوطن العربي في بلوغ مراتب الدّول العظمى.
كانت الحرب على العراق مدبّرة ضدّ دولة استطاعت أن تبهر العالم بما حقّقته من رقيّ، وكانت تعمل على مساعدة الدّول العربيّة والدّفع نحو توحيد الموقف العربي والدّفاع عن قضايــــا الأمّة. وقد كشفت التقارير الأمريكية والغربية أنّ تعلّة الحرب الغادرة ضدّ العراق وهي امتلاكه لأسلحة الدّمـــار الشامل، التي لا يحقّ للدول العربيّة والإسلاميّة امتلاكها ولا الدّخول في عالم التصنيع الحربيّ والعلمي في حين هي حقّ للدول العظمى وللاستعمار الصهيوني الغاشم. واكتشفت الأجيال بعد عشرية الحصار والحرب المدمّرة ضدّ العراق حقيقة المواقف الغربية العدائية ضدّ كلّ أصوات الإرادة العربية الحرّة.
لم تستطع مؤامرة الخيانة الدّاخلية والشماتة الأمريكية الصهيونية النيل من صمود القائد البطل حين تقدّم لحبل المشنقة مؤمنا متقبّلا للموت متحدّيا أعداءه وخونة القادة العرب، ورفضا حتّى وضع الغطاء الأسود على وجهه. فكانت فعلا عملية نحر جبانة لاإنسانية في عيد أضحى المسلميــــن، كأنّهم أرادوا به رمزيا تشويه هذا العيد وتنغيصه على الأمّة.
كان اغتيال صدّام حسين وإعدامه بعد محاكمة هزلية سريعة توجّها جديدا لتركيع الأمّة، ورسالة لبوقات الملوك والحكّام العرب المتآمرين على الشعوب العربيّة لمزيد إعلان الولاء والتبعية مقابل الحفاظ على عروشهم. وكان بداية لتحويل العراق إلى جسد أشلاء وأرض تسيــــل فيها دمـــــاء الأبرياء وتغتصــب الأغراض على مرأى ومسمع من العالم والمنظمات الحقوقية. خاصّة بعد أن وقع استنبات الإرهاب فيه عبر برنامج أمريكي صهيوني سعودي للتصدّي للعدوّ الإيراني وأذرعه من الفصائل الشيعيّة، وذلك عبر تسليح أبي مصعب الزرقاوي حين انضم تنظيم القاعدة سنة 2006 بالعراق إلى جماعات أخرى لتتكوّن داعش. ويعيش العراق وأبناؤه فصولا دموية ومذابح رهيبة وإعتداءات واستباحة لأعــــراض النساء والفتيات وتدميرا للدّولة وتراثها لتعود العراق بعد صدّام إلى الفقر والانحلال.
ويبدأ فصل جديد اليوم مع ملوك ورؤساء الولاء للغرب هو فصل التطبيع مع العدّو الصهيوني وتمرير صفقة القرن بالتفريط النّهائي في القضية الفلسطينية. ويعلن الخونة بكلّ جرأة وضع أيديهم في يد العدوّ. خاصّة بعد أن بدأت ثورات الرّبيع العربيّ تهدّد ممالكهم. بل اجتهدوا وتآمروا من أجل وأدها والقضاء عليها، كفرا بحريّة الشعوب والدّيمقراطيّة وتأبيدا للحكم الفردي وقدسية الحاكـــم واعتبار الشعوب في مراتب العامّة والدّهماء والسواد الأعظم والغوغاء التي لا شأن لها بشـــــــؤون الحكم والمشاركة فيه.
لكنّ لا يمكن لهؤلاء التغافل عن الحقيقة الخلدونية بأنّ الاستبداد زائل لامحالة، وأنّ الثــــــورات علـــى المستبدين آلية من آليات التغيير الحضاري. رحم اللّه قائد الأمّة البطل صدام حسين الذي سيظلّ بتاريخه الفعلي وتاريخ اغتياله معينا يغذّي روح شباب الأمّة بمبادئ العمل على النهوض بهذه الأمّة واستعــادة مجدها الحضاري والدّفاع عن قضاياها العادلة بالفعل الحضاري والعلمي وتحقيــــق الاستقلالية التّامّة وترسيخ القيم الكونيّة الإنسانية والحرّية، لأنّها هي السبيــــل الوحيد والعبرة المستخلصة من كــلّ هذه المحطّات.
Comments