الجديد

في ذكرى رحيله: الباجي قايد السبسي .. أسلوب حكم

خديجة زروق

احتضن أحد النزل بالعاصمة صباح أمس ، الجمعة 24 جويلية الجاري ، لقاءا بادرت بتنظيمه نخبة من الشخصيات التي رافقت الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في محطات من مسيرته السياسية و تولت التنسيق لهذا اللقاء  و تنفيذه السيدة سلمى اللومي التي رافقت الباجي قائد السبسي في مخاض تأسس ” نداء تونس ” و خلال جانب هام من عهدته الرئاسية من خلال توليها وزارة السياحة في حكومتي الصيد والشاهد و كذلك الإشراف كوزيرة على ديوان رئيس الجمهورية.

الدعوة الى “نداء جديد”

و إذا كان اللقاء يندرج في إطار احياء الذكرى السنوية الأولى لوفاة المرحوم الباجي قائد السبسي فإنه قد تجاوز من حيث المداخلات التي اثثته و نوعية الحاضرين هذا الجانب ليتحول إلى ما يشبه قراءة للواقع من وجهة نظر شخصيات عاصرت الباجي قائد السبسي و عملت معه و إلى ما خلص إليه كل من سلمى اللومي و محسن مرزوق من ” ضرورة استلهام ما في ملحمة الباجي قائد السبسي خاصة في تأسيس حركة نداء تونس من تجميع للطاقات و من ترفع عن التقسيمات الوهمية بين الأجيال و الجهات لأن تفعيل المشروع الوطني و تحويله إلى رقم وازن في المشهد السياسي هو الأهم اليوم “.

مسار الراحل .. رجل الدولة ورمز الانتقال الديمقراطي

و من خلال شريط وثائقي متميز امكن الوقوف عند أهم محطات المسيرة السياسية الطويلة للباجي قائد السبسي و خاصة عند أهم الثوابت التي انبنت عليها هذه المسيرة و المتمثلة فى إيمان عميق بالديمقراطية و حقوق الإنسان و التطور و أنه لا ديمقراطية دون إحترام رمزية المؤسسات و القانون إلى جانب أهمية وجود الثقة بين الفاعلين السياسيين و بينهم وبين المواطنين.

علوية هذه القيم ألح عليها أول المتدخلين السفير أحمد ونيس الذي توقف اعتمادا على هذه الخلفية عند الدور الهام الذي لعبه الباجي قائد السبسي في جويلية 2013 في إنقاذ مسارين من التعطل و في المصالحة بينهما و هما مسار الثورة التي اعتبرها الباجي قائد السبسي امتدادا لانتفاضة شعبية مشروعة ضد القهر و الظلم والفساد و مسار الدولة التي أصبحت مؤسساتها في حالة عطالة خطيرة و هو ما كان ينذر بالخطر.

التوافق والوحدة الوطنية .. أسلوب حكم شجاع

و بما أن الباجي قائد السبسي يؤمن حقيقة بالحوار و بان تونس فوق الأحزاب إختار أن يحاور أشد خصومه قوة و رفضا له و هو راشد الغنوشي و هو ما مكن من تجنب الاسوء و من إيجاد أرضية تفاهم ساعدت على نزع فتيل الأزمة. و توقف أحمد ونيس عند الجانب الحقوقي في تفكير و تمشي الباجي قائد السبسي و الذي انعكس في انطلاقه من دستور الجمهورية الثانية ليبادر بتقديم مشروع المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل.

و أشار أحمد ونيس أيضا إلى أن الباجي قائد السبسي كان يؤمن في مستوى العلاقات الخارجية بضرورة أن تكون علاقات تونس متميزة و متوازنة مع الجميع دون أن يعني ذلك تخليا عن ثوابت الإنتصار للقضايا العادلة و نبذ العنف و أن الباجي قائد السبسي كان يشبه تونس في هذا الجانب بشجرة تمتد أغصانها إلى اوروبا و آسيا و القارة الأمريكية في حين أن جذورها تمتد في المغرب العربي و افريقيا و الوطن العربي و العالم الإسلامي .

قايد السبسي .. الدبلوماسي الماهر

هذه الرؤية أكد عليها أيضا وزير الشؤون الخارجية الأسبق خميس جهيناوي الذي أشار إلى تشبع الباجي قائد السبسي بأهم ما يميز العلاقات الدولية من تحولات و رهانات و حرصه على أن تستفيد تونس من ذلك دون أن تتخلى عن سيادتها و وقوفها إلى جانب القضايا العادلة و في مقدمتها القضية الفلسطينية و أشار إلى أنه اكتشف في شخصية الباجي قائد السبسي بعدا ديبلوماسيا هاما. ” و تطرق الأمين العام السابق للإتحاد العام التونسي للشغل إلى إيمان الباجي قائد السبسي بالتوازن بين الجهات و القطاعات و بأهمية الحقوق الإجتماعية و هو ما جعله يقر لما تولى رئاسة الحكومة في مارس 2011 زيادات هامة في الأجور و يلغي دون تردد العمل بالمناولة و كل أشكال التشغيل الهش.

قايد السبسي .. الاصلاح ودولة القانون

و اعتبر حسين العباسي أن في علاج الباجي قائد السبسي في تونس رسالة رمزية في التمسك بالقطاع العام و في تثمين الكفاءات التونسية. حسين العباسي توقف عند الدور الهام الذي لعبه الباجي قائد السبسي في التصدي لما اعتبره ” محاولات تغول حركة النهضة و سعيها لارباك و ترذيل أحزاب المعارضة.

و اما رافع بن عاشور فقد أشار إلى أن الباجي قائد السبسي قد “نذر نفسه لخدمة المجتمع التونسي ” و أشار إلى أن ذلك كان وفق رؤية إصلاحية جعلته يصدع برأيه و ينسحب كلما تبين له أن في إدارة الشأن العام ابتعادا عن هذه الرؤية إذ فضل سنة 1972 أن يبتعد عن الرئيس الحبيب بورقيبة رغم إعجابه به لأنه لمس انحرافا عن أسس دولة القانون و الممارسة الديمقراطية.

و اعتقد سنة 1987 أن زين العابدين بن علي مسكون بهاجس إصلاحي فأراد مساعدته قبل أن يكتشف بسرعة أن الأمر قد تحول إلى زيغ عن قواعد دولة القانون و الديمقراطية ففضل الابتعاد عن الشأن العام لأن الإصلاح يحتاج إلى رؤية و إرادة لم تكونا متوفرتين.

بعد 14 جانفي 2011 شعر الباجي قائد السبسي أن الفرصة قد أصبحت ملائمة ليطبق القناعات التي لازمته منذ أن عبر عنها في رسالته المفتوحة التي وجهها للحبيب بورقيبة يوم 12جانفي 1972 عبر أعمدة جريدة ” لوموند ” الفرنسية فانخرط في عمل دؤوب ساهم من خلاله بقسط وافر في إنقاذ الثورة و الدولة و المجتمع. و نشير إلى أن الندوة تابع وقائعها عدد هام من الشخصيات السياسية من بينهم الرئيس محمد الناثر والرئيس فؤاد المبزع والحبيب الصيد رئيس الحكومة الأسبق و عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع السابق وأحمد نجيب الشابي والأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي و الرئيسة السابقة لاتحاد الصناعة والتجارة وداد بوشماوي ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي و العميد شوقي الطبيب رئيس هيئة مكافحة الفساد إلى جانب سفراء فلسطين و فرنسا و تركيا و المملكة العربية السعودية و قطر.

الشباب هم ورثة “سي الباجي”

كما قدم الأستاذ صلاح الدين قايد السبسي – شقيق الرئيس الراحل- شهادة حية وعفوية عن “سي الباجي” الأخ والزميل والصديق، مشددا على أن الراحل “ادخر حياته” لخدمة تونس في مختلف المواقع التي تولاها في كافة مراحل حياته، وأنه بعد الثورة كان حريصا على مرافقة مسار الانتقال الديمقراطي الذي دخلت فيه البلاد، والذي يقتضي اقرار مصالحة وطنية شاملة وحقيقية، عمل الراحل على نقلها في الواقع لكن العديد من الصعوبات حالت دون ذلك، مشددا على أن تونس اليوم في حاجة الى مصالحة وطنية والابتعاد عن الاقصاء، من أجل تجاوز الصعوبات والتحديات التي تواجه البلاد.

وبين صلاح السبسي أن الرئيس الراحل حرص على أن يكون ورثته هم الشباب فقط بوصفهم عنوان المستقبل وهو ما دونه في كتابه الهام: الحبيب بورقيبة .. المهم والأهم”، حيث قام بإهداء الكتاب لفئة الشباب قائلا: “اهدي هذا الكتاب الى شباب بلدي الذين لم يعيشوا الاحداث التي قادت الى انبعاث تونس المستقلة، على امل ان يجدوا فيه بعضا من اجابة على الاسئلة التي يطرحونها ودوافع للايمان بالمستقبل”.

واختتم صلاح قايد السبسي مداخلته بالآية القرآنية التي كان يرددها دائما المرحوم الباجي قايد السبسي: ”  واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكمآياته لعلكم تهتدون”

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP