في ذكرى عيدها ال 62 .. الجمهورية مريضة
خديجة زروق
لم يسبق للشعب التونسي ان احتفل بذكرى اعلان الجمهورية في ظروف تشبه ظروف احتفال هذا العام، بعد ان تزامنت في نفس الوقت بدايات التنافس الانتخابي، مع تواصل التوتر “شبه الهيكلي”، في العلاقة بين رئاستي الجمهورية و الحكومة، الى جانب ما القته الحالة الصحية لرئيس الجمهورية، من تداعيات على المشهد خاصة و ان كل هذه العوامل مثلت الخلفية التي لا يمكن الا اخذها بعين الاعتبار، عند محاولة قراءة موقف رئيس الجمهورية من التنقيحات التي اقرها مجلس نواب الشعب على القانون الانتخابي.
ذلك ان رفض الباجي قائد السبسي، ختم هذا القانون قد فتح الباب امام نقاش تطرق الى هذه الخلفية، و الى التداعيات الممكنة لها، و سبل التعاطي معها، بما في ذلك الدعوة الى عزل رئيس الجمهورية من منصبه بداعي خرقه للدستور .
حليفا الحكم و هما حركة النهضة و حركة تحيا تونس هما اللذان اطلقا عملية حشر الرئيس في الزاوية من الناحية السياسية من خلال الاشارة الى ان عدم ختمه للقانون يمثل تجاوزا للدستور يتعين التصدي له علاوة على اشاراتهما في بيانين منفصلين الى تساؤلات حول الحالة الصحية للباجي قائد السبسي .
و اذا كانت حركة النهضة و حركة تحيا تونس قد اكتفيتا بهذا الموقف و تجنبت قيادتهما العودة مجددا الى الحديث عن الوضعية الصحية لرئيس الجمهورية فان اصوات شخصيات و احزاب تنتمي للمعارضة قد انتقلت بانتقادها للباجي قائد السبسي و موقفه الى مستوى اعلى من التصعيد.
في هذا السياق اعتبر احمد نجيب الشابي و غازي الشواشي و عصام الشابي ان رئيس الجمهورية قد تعمد من خلال الطريقة التي اعتمدها في التفاعل مع القانون خرق الدستور الذي لا يمنح لرئيس الجمهورية في صورة رفضه لقانون معين طريقان لا ثالث لهما و هما ارجاع القانون في اجال محددة و باليات معروفة او الدعوة لاستفتاء شعبي حول القانون .
غير أن رئيس الجمهورية لم يختم و هو ما اعتبره هؤلاء المعارضون مدعاة للشروع في الاجراءات الدستورية لعزله .
لا شك ان هذا الجدل و هذه الدعوات و تصدي البعض للدفاع بشراسة عن رئيس الجمهورية لا يمكن فهم دلالاتها دون تنزيلها في اطار الصراع السياسي المحتدم من اجل افتكاك مواقع في السلطة، و ايضا ما يمكن اعتباره لعبة الخرق لمن استطاع اليه سبيلا للدستور و ايضا المنعرج الذي تعيش على وقعه البلاد منذ الازمة الصحية للباجي قائد السبسي .
ان الاستعداد للاستحقاق الانتخابي و عدم وضوح حدود الفصل بين السلط و المؤسسات و ما يسود اللعبة السياسية من غموض تدخل المال و الاطراف الاجنبية قد اكثر في عدد الراغبين في السلطة و فتح الباب امام استعمال كل الطرق من اجل اكتساب النفوذ و السلطة.
و لا شك ان عدم نجاح مجلس نواب الشعب في ارساء محكمة دستورية يمثل وجها من وجوه الاستخفاف بالدستور و خرقه و من اشكال اخضاع المؤسسات للمصالح و الاهواء و النوازع الحزبية و الفئوية و الشخصية .
كما لا يمكن لمرض رئيس الجمهورية في وضعية مماثلة الا ان يزيد الوضع تعقيدا خاصة و ان نجله البكر حافظ يلعب دورا سياسيا و ان علاقات قائد السبسي الاب و الابن برئيس الحكومة متوترة او باردة في افضل الحالات، و ان بغض الغموض يحيط بملابسات مرض الرئيس و طبيعته و انه لم يظهر تقريبا في نشاط علني منذ اسابيع، و حتى الصور التي وقع بثها مطلع الاسبوع عن استقبال الباجي قائد السبسي لوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي فإنها قد اشعلت نيران التوقعات عوض ان تطفئها.
وذهب أصحاب هذا الرأي الى أن رئيس الجمهورية ام يكن في افضل حالاته البدنية و شكك البعض أيضا في مكان التصوير و اعتبر البعض الاخر ان الباجي قائد السبسي لم يعد في الوضع الحالي سيد قراره بل هو من الناحية السياسية في حالة “ارتهان “.
لا شك ان الباجي قائد السبسي يعتبر في المخيال السياسي لعدد كبير من التونسيين بحكم تجربته و عمره و موقع الرئاسة الهام في الثقافة السياسية العربية ابا يتعين احترامه و احترام وضعيته و هو الذي يستعد لانهاء عهدة رئاسية لن يترشح لتجديدها و لكن هذه الوضعية تغذي الصراع حول السلطة.
و لا يمكن لدعاوي الترفع و السمو الاخلاقي على اهميتها ان تخفي هذا الصراع الذي أصبح واقعا لا يمكن التغافل عنه ولعل تجربة دولة الاستقلال تبرز -للاسف- ان مرض رئيس الجمهورية غالبا ما كانت له تداعياته السلبية على الوضع السياسي و على مؤسسات الحكم وخاصة مؤسسة الرئاسة التي تبقى حتى بعد الحد من صلاحيتها محور الحياة السياسية.
في هذا المناخ نحتفل غدا بذكرى عيد الجمهورية الثانية والستين ونلاحظ أن وضع الجمهورية اليوم يشبه وضع رئيسها، كلاهما يعاني من المرض و الوهن.
Comments