الجديد

في ذكرى عيد الاستقلال .. دروس و عبر

شعبان العبيدي

تمرّ على الشّعب التّونسيّ ذكرى الاحتفال بعيد الاستقلال في مرحلة عصيبة تنغّص عليهم كلّ مشــــاعر الاحتفال والاعتزاز بالتّضحيات العظيمة للمقاومين وقيادات الحركة الوطنية وبناة الدّولة الوطنية الجديدة.

وفي الوقت الّذي غابت فيه مظاهر الاحتفال الواسعة في ظلّ حكومة واحدة، كان هذا اليوم مناسبة لبعض الأحزاب للقيام بحملات انتخابية مبكّرة وتعميق غياب الوحدة الوطنية. وكذلك الأمــــــــــر على مستوى السلطة.

فقد اختار رئيس الحكومة أن تكون مدينة المنستير حيث يرقد الزّعيم الحبيب بورقيبة مكــــان إحياء الذكرى 65 للاستقلال، و خيّر رئيس الجمهورية القيام بزيارة لسجن المرناقية.

وهي كلّها علامات على حال التشتّت والتّخبط في يوم كان من المفترض أن يكون فيه الشّعب والسّلطة صفّا واحدا إعلانا للوفاء لشهداء الاستقلال.

من المفروض بالنّسبة إلى الفاعلين السياسيين ورجـــــال الدّولة والمنظّمات والمواطنين أن تكون هذه الذّكرى وفي ظلّ هذا الوضع البائس الذي أُغرقت فيه البلاد أن يستخلصوا العبـــرة والدّروس من هذا الماضي المجيد، ويعودون لتحكيم صوت الحكمة والعقل لما فيه مصلحة الدّولة والوطن. ويكفوننا ما أرهقونا به و أرهقوا به الشّعب من صراعهم في رؤوسنا.

استخلاص العبرة بالوفاء لأرواح الشّهداء من حركة المقاومة لا يكون إلاّ بوحدة الصفّ وحماية مكتسبات الدّولة الوطنيّة وإعادة صيانتها وتدعيمها من أجل الرقيّ بالوطن.

أن يطلق السّياسيون ورجال الحكم الدّولة من ارتهانهم لها وخصوماتهم الذّاتية حتّى تستعيد الدّولة دورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وفرض علوية القانون. فلا سبيل إلى تحقيق مطالب الثّورة إلاّ بدولة مدنية قويّة ذات توجّه واضح ورؤية تنموية شاملة.

على الطبقة السياسية المتناحرة تحت عناوين مختلفة هامشية لا علاقة لها بتصوّر إصلاحي للدّولة في ظلّ عصر معولم، شديد التقلب والتغيرات الاقتصادية لا يكون إلاّ بالولاء كلّه للوطن ولخيارات سياسية واقتصادية جديدة متفاعلة مع العصر. ووجب الخروج من دائرة الصّراع السياسوي والأيديولــــــوجي والشعبوي الذي لا دور له إلاّ إضاعة المزيد من الوقت.

أن يدرك هؤلاء الذين ما فتئوا يتاجرون بقضايا الشّعب مثل قضية تردّي المقدرة الشرائية واستفحال البطالة وتضاعف أرقامها حتّى ضربت الطبقة الوسطى لا يكون بترديد الشّعارات ومحاولة اصطياد الخصـــوم في حوارات سفسطائية، وإنّما يكون ذلك باستعادة قيم الوفاء للوطن والعمـــــــــل الجادّ ومواصلة مسيرة البناء والإنجاز والاعتزاز بما قدّمته الدّولة الوطنية الأولى. والتفاني في خدمة الوطن والدّفاع   عن ثوابته من قيم.

إعطاء الفرصة للشباب ودفعه إلى الانخراط في التحلي بالمواطنة الصادقة والسّلوك الإيجابي فإذا كــــان الأجداد بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم السياسية قد حققوا نعمة الحرية والاستقلال بعد مسار طــــويل من الكفاح، فهناك اليوم أناس يهدّدون هذه المكاسب ويعبثون بمصالح الدّولة فلا مناص من تطهير الدّولة من العابثين والمفسدين والوصوليين الذين يجرون البلاد إلى حافة الاحتقان والانهيــــار الذين هم فعلا سبب معاناة الشعب

عيد الاستقلال محطة زاخرة بالتضحية وقيم الوطنية والوفاء للوطن. كما جسّدتها تضحيات أجيال روت بدمائها هذه الأرض، وجعلوها منبتا لقيم التحرّر والحقّ في الحياة والوحدة، تؤّكد لكــــلّ وفيّ أنّ قيمــة الوطن لا تحتمل القسمة والعبث. وإنّه بفضل استعادة هذه العبر والقيم الخالدة يكون خـــــلاص الـــوطن وريادة الدّولة وتحقيق النموّ والعدالة ومواصلة مسيرة الاستقلال الشّامل. وألاّ نكون أســـوأ خلف لخيــر سلف. فذلك هو المعنى الجوهري لعيد الاستقلال. وهو ما سمّاه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الجهاد الأكبر.

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP