في ذكرى 17 ديسمبر .. عندما تخذل النخبة الجماهير !
هشام الحاجي
لم يستطع غليان مواقع التواصل الاجتماعي و لا الدعوات إلى الاعتصامات و التحركات تجاوز حالة الفتور و ما يشبه اللامبالاة التي تتعاطى بها الأغلبية الساحقة من التونسيين و التونسيات مع استقبال الذكرى السنوية العاشرة لاقدام محمد البوعزيزي على إحراق نفسه ليطلق حركية أدت إلى مغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي تونس و السلطة و نجاح ما يعتبره البعض ” ثورة أبهرت العالم ” و البعض الآخر ” مؤامرة أجنبية ” .
قد يكون الجدل حول صحة واحدة من السرديتين أقل أهمية من الوقوف على أن الحدث في حد ذاته قد فقد الكثير من ” جاذبيته ” و من قدرته على تعبئة الطاقات في مشروع مجتمعي جديد و هو ما يحيل إلى البحث عن أسباب ذلك لدى النخب السياسية التي لعبت دورا أساسيا في عملية ” إنجاح الثورة ” و عملت من أجل هذه النتيجة سنوات.
يبدو كعب اشيل هذه النخب في أنها تشكو في العمق من ” نقص هيكلي ” في تمثل عميق للفكر الديمقراطي. هذا النقص جعلها عاجزة عن استنباط ” براديغم ” خاص بالتجربة التونسية و هو ما جعلها لا تقدر قيمة الوقت في حياة الشعوب و تستكين إلى مقارنات كسولة مع تجارب الانتقال الديمقراطي لمجتمعات أخرى، و في سياقات مغايرة لتخلص إلى استنتاجات مستفزة مفادها أنه من ” الطبيعي ” أن يتساوق الانتقال الديمقراطي مع ارتباك في الأداء و ما يشبه التراجع الشامل في كل مؤشرات الحياة.
و أن الحرية أهم و أثمن من كل حاجيات الإنسان الأخرى و مما يعمق في الشعور بالاستفزاز أن هذا الخطاب يأتي بعد أن اغدقت النخب السياسية بعد 14 جانفي وعودا بأن الرخاء الشامل قد أصبح أمام بيت كل تونسي و ما عليه أن يفتح الباب للتمتع به.
و لا شك أن نخبة كسولة لا يمكن إلا أن تشجع على كل أنواع الكسل بما في ذلك تحويل ” البستنة” إلى غطاء لاغداق المال العمومي على عاطلين عن العمل. و يحيل كسل النخب إلى اعتناق الضجيج و المناكفات أسلوبا في إدارة الشأن العام و هو ما يؤدي إلى جانب ضعف المنجز على جميع المستويات إلى العجز عن تحديد القواسم المشتركة و تطويرها و الوقوع في متاهة الصراعات الثانوية التي تقضي على كل جهد للتجميع.
و هو ما تجلى أياما قليلة بعد 14جانفي 2011 إذ ذهبت خلافات غير واضحة كثيرا بتحالف المعارضة التي لعبت دورا كبيرا في إزاحة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي من الحكم و أصبحت الانقسامات و الانشطارات ” قدر” كل الأحزاب السياسية و هو ما زاد في إرباك المواطنين و في نفورهم من الحياة السياسية.
و حين نراجع التقلص اللافت لعدد الذين يشاركون في العملية الانتخابية من 2011 إلى 2019 ندرك درجة تفشي الشعور بالإحباط و خيبة الأمل و هو أمر لم يحث الماسكين بمقاليد الأمور على مراجعة أنفسهم بل جعلتهم يستكينون أكثر إلى القراءات التآمرية السطحية التي تنمي الصراعات الوهمية داخليا و تعمق العزلة خارجيا.
و هو ما يتجلى في تقلص الاهتمام بتونس التي لم تعد نموذجا أو واجهة إلا في أذهان بعض السياسيين الذين أثبت اداؤهم أن هاجس الوصول للسلطة كان أقوى لديهم من الرغبة الحقيقية في دخول التاريخ من باب إحداث إصلاح حقيقي للمجتمع.
Comments