في ظل تواصل حالة الارتباك .. هل أن الحل في رحيل حكومة المشيشي؟
منذر بالضيافي
في ظل تردي الأوضاع، في جميع المجالات، عاد الجدل حول مصير حكومة المشيشي، بين متمسك بالابقاء عليها، وبين مطالب بالتسريع برحيلها، خاصة أمام وجود “عجز” لافت عن ادارة أزمة انتشار وباء الكورونا، الذي برز من خلال حالة الارتباك الحكومي، اذ لم تستطع “حكومتنا العتيدة” التوفق الى “الوصفة” التي تمكنها من كسب المعادلة، بين حماية الأرواح ومنع انهيار القطاع الصحي الذي هو “هش” بطبعه، وبين المحافظة على استمرار النشاط الاقتصادي، خاصة الذي تباشره الفئات الضعيفة والمتوسطة، التي ترفض قبول الحجر الصحي الشامل، ولعل هذا ما يفسر “تمردها” على القرار الحكومي الأخير، القاضي بفرض الحجر الصحي الشامل، من 9 الى 16 ماي الجاري، الذي أتى مسقطا ولم يكن مرافقا بإجراءات اجتماعية، بسبب العجز الكبير الذي تعاني منه ميزانية الدولة، وايضا بسبب غياب الخيال السياسي في ادارة الأزمة.
للاشارة فان تردي الأوضاع وتعقدها في تونس، لا يجعل الحكومة قادرة لوحدها على ادارة أزمة الكوفيد 19، خاصة في ظل تواصل تمدد الأزمة السياسية، التي تحولت من الصراع الى القطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية ( قرطاج والقصبة)، ترجم من خلال “حرب الصلاحيات” الدستورية، المتمثلة في التنازع حول الاشراف على الأجهزة الحاملة للسلاح، وقبله عجز المشيشي عن ادخال التحوير الوزاري الذي نال ثقة البرلمان حيز التنفيذ، بسبب رفض الرئيس قيس سعيد، قبول الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستوري، ما نجم عنه تعطيل لعمل مؤسسات الدولة، وحكومة مشلولة في تقريبا نصف أعضائها.
كما أن هذا الخلاف تجاوز الشأن الوطني ليرمي بتداعياته على تعامل الدولة مع الخارج، وهنا كشف رئيس الحكومة وحزامه السياسي، عن وجود “تعطيل” لاتفاقيات وقروض من قبل قصر قرطاج، وهو ما زاد في تعميق جراح المالية العمومية التي هي على حافة “الافلاس”، ما أضعف أيضا قدرات بلادنا التفاوضية مع المؤسسات المالية الدولية، وتحديدا برز خلال اللقاء الأخير الذي جمع الوفد الحكومي مع كبار موظفي صندوق النقد الدولي في واشنطن.
ضمن هذا السياق السياسي المتأزم، والذي وصل حالة غير مسبوقة من “الانسداد” و “الاستعصاء” ، والانهيار الاقتصادي المتزامن مع تمدد الوباء وتصاعد مخاطره بعد أن تجاوز عدد الوفايات 10 الاف ، وضع أزعج حتى شركاء بلادنا في الخارج وهو ما عبر عنه سفراء الدول الوازنة في لقاءاتهم التي تعددت خلال الفترة الأخيرة، في هذا المناخ تعالت الأصوات المطالبة برحيل حكومة هشام المشيشي . فهل أن الحل يكمن في تشكيل حكومة جديدة؟ وهل أن المشهد السياسي الحالي يسمح بذلك أم أنه يمثل “مغامرة” قد تدخل البلاد في حالة فراغ حكومي ستكون تداعياتها كارثية على الاستقرار السياسي والمجتمعي وعلى التزامات بلادنا الخارجية؟
أيا كان الموقف من حكومة هشام المشيشي، فان المصلحة الوطنية في الظرفية التي تمر بها بلادنا ( أزمة اقتصادية وكارثة صحية)، تفترض عدم المقامرة بادخال البلاد في فراغ حكومي، والجميع يعلم حجم الخلافات وأزمة الثقة الكبيرة ، بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين، تجعل من تشكيل حكومة جديدة أمر ليس بالسهل بل تواجهه عقبات كبيرة، ما يعني تحويل حكومة المشيشي الحالية الى حكومة تصريف أعمال، وفتح الباب على مصرعيه ل “مقامرة” قد تدفع البلاد الى سيناريوهات مخيفة.
ولعل “الحكمة السياسية” المفقودة اليوم، تفرض “التوافق” على خيار الاستقرار الحكومي، من خلال الابقاء على الحكومة الحالية، مع ادخال تعديلات عليها بما يجعلها تأخذ شكل حكومة حكومة انقاذ وطني، من خلال تطعيمها بكفاءات سياسية، ويتم وضع سقف زمني وخارطة طريق واضحة لحكومة المشيشي الجديدة، يتمثل في أن يحصل اتفاق على استمراها في العمل بين سنة ونصف وسنتين، أما خارطة الطريق فيجب أن تركز على ثلاثة أولويات وهي: أولا، محاربة الكوفيد، ثانيا، بداية الشروع في انقاذ الوضع الاقتصادي والقيام بالإصلاحات الضرورية لذلك، وتجنيب المجتمع والدولة مخاطر الانحلال والتفكك، وثالثا، التركيز أيضا على اعداد البلاد لانتخابات مبكرة، بوصفها الخيار الأمثل للقطع نهائيا مع الأزمة السياسية.
Comments