في فرنسا "سترات صفراء".. في تونس "وجوه صفراء"
كتب: غازي معلى
في الازمة الفرنسية كثير من وجوه الشبه مع الواقع الذي ترزح تحته تونس ، صحيح انّ الواقع التونسي لا يشبه الواقع الفرنسي بشيء، لكن من الخطأ عدم الانتباه لتشابُه كبير في بعض وجوه الازمة. منذ العام 2011 والتونسيون يَعِدون أنفسهم بآمال، ويبنون احلاماً ، لكن سرعان ما كانت آمالهم تتبدد وأحلامهم تتكسر إثر اصطدامهم بالواقع المر ، لا بل أكثر، فإنّ الطبقة الوسطى تتراجع لمصلحة الطبقة الفقيرة مع نشوء طبقة الفقر المدقع. أما طبقة الأثرياء فتشهد أعضاءً جدداً، يُصادف أنهم يدخلونها من باب السياسة.
فهذا لا يختلف كثيرا مع مراعاة فارق “الدخل” على تباعد الطبقي في المجتمع الفرنسي و تزايد نسبة الفقر عند الكثيرين و خاصة المتقاعدين و ضعاف الدخل و الذي بدأ ينذر بانهيار “الموديل الفرنسي” الذي عرف بدعمه لضعاف الحال و بمنظومة اجتماعية صحية و تأجيرية تضمن سلم مجتمعي محترم ، واذا كان الفرنسيون قد «نَعتوا» رئيسهم برئيس الاغنياء، و لبسوا السترات الصفراء و اعتصموا بالساحات و الشوارع و التحفوا السماء في هذا البرد تعبيرا عن قلقهم و رفضهم لمستوى عيشهم و خوفهم من مستقبل غير واضح، و كانت شرارة الانطلاق ضرائب على المحروقات و إلغاء الضريبة على الثروة ISF
فلا بد من وصف ما حدث في مناقشات البرلمان التونسي حول ميزانية 2019 بملحمة «المتموّلين». فخفض الضرائب على اصحاب الامتيازات و عدم فعل اي شىء لا زيادة في الاجور و لا خفض في الأسعار للطبقات المتوسطة و الضعيفة التي أصبحت مطحونة الا مدخل حقيقي تجعل تونس ممكن ان تعيش أزمة اجتماعية كمثيلتها الفرنسية و تتشارك في دوافعها و هي مستوى المعيشة و جدلية الضرائب من ناحية و أغلبية نيابية تونسية تظاهي نظيرتها الفرنسية.
من ناحية اخرى تتفنن في خفض الضرائب على المتمعشين من المنظومة الاقتصادية الحالية و تدير ظهرها لعامة الشعب المقهور اقتصاديا. الازمة الفرنسية أصبحت بعد اسابيع من انطلاقها أزمة حكم و ما شعارات ” ماكرون استقيل ” التي رفعت و ترفع كل يوم سبت تحت قوس النصر في باريس الا تعبيرا واضحا عن الشرخ الذي اصبح كبيرا بين رئيس هلل له كثير من الفرنسيين عند انتخابه لكونه شاب و كسر الثنائية الحزبية القديمة و بشر بغد أفضل لكن كل هذه الوعود و الأحلام التي رسمها الشارع الفرنسي تصادمت مع صخور الواقع و اللوبيات، التي أتت بهذا الرئيس الشاب، و قوة ضغطها و تأثيرها من ناحية اخرى على القرار السياسي و تدعياته الاقتصادية.
كما ان طموحات الرئيس الشاب الشخصية على المستوى الداخلي و الخارجي جعلته سريعا ما يسبح فوق السحاب و ينسى ان هناك شارع و خصوم و معطى دولي متحرك و متغير يوميا و هذا ما جعله يتعاطى متأخرا مع الازمة حتى انه فقد زمام المبادرة أليس كل هذا التوصيف يذكرنا في البعض منه برئيس حكومتا الشاب الذي دعمته معظم الأحزاب و المنظمات عند دخوله القصبة و خطب امام النواب كما خطب طارق ابن زياد لما فتح الأندلس امام جنده و لما اطلق عمليته الوطنية ضد الفساد فأصبح البطل القومي الذي لا ينازعه احد و ذكرنا في وقت او تنبا له الغير انه سائر على طريق ماكرون بثبات و لكن و في الاسابيع القليلة الماضية اتضح انه كما ماكرون كبرت طموحاته و تضخمت و تلاقت مع اصحاب النفوذ الاقتصادي .
الخوف ان يكتمل مشهد التشابه مع المشهد الفرنسي و خاصة اننا نعشق الاحتجاج في البرد و الشتاء منذ عقود. و يخرج اصحاب ليس السترات الصفراء و لكن اصحاب الوجوه الصفراء من الجوع و الياس للشارع و يكتمل مشهد التشابه و خاصة ان رئيس حكومتنا تعود التأخر في التعاطى مع الأزمات و يا له من تشابه اخر مع ماكرون الذي يعيش اصعب مرحلة حكمه و لكن يشعر بنوع من الاطمئنان لانه منتخب من الشعب و يحكم دولة لها اكثر من قرنين ديموقراطية و لكن رئيس حكومتنا منتخب من نواب يغيرون الكتل كما يغيرون القميص و نظام مازال في السنة أولى ابتدائي ديموقراطية.
Comments