في مجلس الأمن القومي: الرئيس "ينتفض" ويعيد خلط الأوراق، لكن ماذا بعد ؟
منذر بالضيافي
كشفت كلمة الرئيس الباجي قايد السبسي، اليوم الاثنين 11 مارس 2019، امام مجلس الامن القومي، والتي دامت 11 دقيقة و 23 ثانية، عن عمق الأزمة الشاملة والمركبة التي دخلتها البلاد، والتي بدأت منذ نهاية ماي 2018، بعد تعليق أشغال “وثيقة قرطاج2″، اثر تمسك حركة “النهضة” ب “الاستقرار الحكومي”، الذي يعني دعمها للإبقاء على رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، وبالتالي نهاية “توافق الشيخين”، من “طرف النهضة”، مثلما أعلن الرئيس السبسي في أكثر من مناسبة.
هذا “التوافق” الذي حكم البلاد بعد انتخابات 2014، والذي استعاض عنه الاسلاميين ب “شراكة” مع الشاهد، في قراءة منهم لطبيعة التوازنات السياسية الجديدة، التي تدعمت بعد فوزهم في بلديات ماي 2018، وتراجع حزب الرئيس (نداء تونس) في المشهد السياسي، وفي البرلمان بعد “تفكك” كتلته البرلمانية، مؤشرات قراءتها بالنسبة للغنوشي واخوانه تعبر عن “ضعف” الرئيس، واعلان عن كونه على ابواب الدخول في “عزلة سياسية”، حتى اتمام ما تبقى من عهدته الانتخابية، وهو ما يفترض البحث عن “شريك جديد”، في الحكم اليوم وبعد الاستحقاق الانتخابي القادم، المقرر لنهاية السنة الجارية.
في هذا الاطار، يمكن أن نفهم تفاعلات المشهد السياسي خلال الثمانية أشهر الأخيرة، خاصة توتر العلاقة بين “القصرين” ( قرطاج والقصبة)، الذي أخذ منحى “حرب باردة” ليتحول شيئا فشيئا الى صراع و “مواجهة مفتوحة”، ولعل مواقف وتصريحات كثيرة أكدت ما ذهبنا اليه، وجاء “الكلاش” اليوم بين الرئيسين، في بداية افتتاح اجتماع مجلس الأمن القومي، ليؤكد حصول “طلاق” بين رأسي السلطة التنفيذية.
يذكر أن العلاقة بين قرطاج والقصبة، قد توترت أكثر بعد بعث الشاهد كتلة برلمانية موالية له، كانت مقدمة للإعلان عن ميلاد حزب “تحيا تونس”، المحسوب على رئيس الحكومة، والذي رأي فيه الرئيس السبسي أنه “حزب الحكومة”، الذي يلاقي دعما من النهضة، و”أن الغنوشي يدعم الشاهد”، مثلما صرح بذلك في حوار مع جريدة “العرب” اللندنية، كما اعتبر الرئيس السبسي، في نفس الحوار السبسي، أن الحكومة الحالية بيد وتحت سيطرة النهضة. وذلك بعد أن عجز الرئيس عن الاطاحة بالحكومة، بسبب فقدان جزبه (نداء تونس) للأغلبية البرلمانية، و “تمترس” كتلة النهضة وراء الشاهد.
فالرئيس السبسي، على بينة أن طموحات “الرئيس الشاب”، يوسف الشاهد، لن تتوقف عند هذا الحد، وأنه في طريق مفتوح لإعلان الترشح للانتخابات الرئاسية، ليكون بذلك منافسا من داخل “العائلة” السياسية للرئيس السبسي، لو قرر الترشح لعهد ثانية.
كما أكدت كلمة الرئيس السبسي، اليوم الاثنين في اجتماع مجلس الأمن القومي، على أن الرئيس قد اختار المرور الى “المواجهة” و “تصفية الحساب”، مع رئيس الحكومة، يوسف الشاهد الذي يعتبره قد “تمرد” عليه، ومع التيار السياسي الداعم له (حركة النهضة)، الذي “خان معروف” الرئيس وهو الذي “احتضنه” و أدمجه في الحياة السياسية تحت عنوان “التوافق”.
اختار الرئيس السبسي، منازلة خصومه والعودة للوجهة من بعيد ، وبالتالي “استعادة المبادرة السياسية”، من بوابتين اثنين: الأولى كانت من خلال تحركات دبلوماسية مكوكية سيختتمها نهاية الشهر الحالي بعقد القمة العربية، أما البوابة الثانية، فهي داخلية ووفق الصلاحيات التي أعطاها له دستور 2014، وأهمها “حماية الأمن القومي”.
وهو مجال واسع وفضفاض لإثارة ومتابعة كل القضايا، وما أكثرها في ظل وجود ارتباك “الائتلاف الحكومي” في ادارة وضع صعب ومعقد، يوصف بكونه غير مستقر و “هش”، دون أن ننسى ضعف المنجز الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية التي أصبحت تنذر ب “الانفجار”، بعد تتالي الحراك الاحتجاجي والعمالي، فضلا عن “الاستثمار” في “ارث” حكم النهضة، مثل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية، عن الاغتيالات السياسية التي حصلت زمن “حكم الترويكا” ( ملف الجهاز السري)، ومخلفات النشاط الجمعياتي الدعوي ( محتشد الرقاب، وفق قول الرئيس).
وهو ما يكشف عنه جدول أعمال مجلس الأمن القومي اليوم، الذي تداول” في فاجعة وفاة 12 رضيع بمستشفى الرابطة نهاية الأسبوع الفارط ومستجدات التحقيق في ملابسات القضية والتدابير العاجلة المتخذة للإحاطة النفسية والاجتماعية بالعائلات. كما استعرض المجلس مستجدات ملف الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وما يعرف بالجهاز السرّي وتعامل مختلف أجهزة الدولة مع هذا الملف. وأوصى المجلس بالتعجيل بعرض مشروع القانون الأساسي المنظّم لحالة الطوارئ للتصويت بمجلس نواب الشعب في ظل عدم دستورية الإجراءات الحالية”.
ردة فعل الرئيس قايد السبسي اليوم، يرى البعض أن المراد منها اعادت خلط الأوراق في مشهد سياسي غامض وبلا أفق سياسي واضح ومفتوح على أكثر من سيناريو، وفي نظام سياسي فيه تنازع للصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية.
لكن الثابت أن الرئيس أراد التذكير بأنه يمتلك “الشرعية السياسية”، بوصفه منتخب مباشرة من قبل الشعب على خلاف رئيس الحكومة المعين، فضلا عن كونه هو “المؤتمن” على حماية الدستور (رفض العمل مستقبلا بقانون الطوارئ الغير دستوري).
و يمكن أن نفهم “كلمة” الرئيس الباجي قايد السبسي اليوم أمام مجلس الأمن القومي، على أنها تحرك “لافت” مداره فك “العزلة السياسية” التي يرى أن خصومه بصدد حبكها ضده، وخلط الأوراق من جديد باتجاه استعادة المبادرة اليوم وغدا (لو قرر الترشح لعهدة ثانية)
لكن، هل أن المشهد السياسي الحالي وتحديدا التوازنات السياسية في الخارطة السياسية والحزبية، يمكن أن تساعد الرئيس على تحقيق ما يريد أم أن “استفاقة” الرئيس جاءت متأخرة ؟ وهل أن الرئيس في وضعه الحالي قادر على “قلب الأوضاع” لصالحه قبل اقل من 8 اشهر من الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية ؟
Comments