قرارات 25 جويلية .. فرصة أم مأزق؟
منذر بالضيافي
بعد مرور اكثر من شهر على قرارات 25 جويلية 2021، التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد، والتي أدخلت البلاد في “مرحلة استثنائية”، جعلت كل السلطات بيد قصر قرطاج، “مرحلة جديدة” أكيد – ودون تسرع – نقول أنها مثلت “قطيعة” مع التي سبقتها، والتي استمرت عشرية كاملة، بعد مضي شهر ما تزال الأوضاع ترواح في مكانها، مزيج من الانتظارات والتخوفات والغموض.
كما يستمر التجاذب والانقسام في المجتمع، وحتى داخل أوساط النخب، بين من يعتبر ما قام به سعيد “فرصة”، ستمكن من انقاذ الدولة واستعادة المجتمع لحيوته، وبين من يرى في ما حصل سيزيد في دفع الأوضاع نحو “مأزق” أكبر، مستندين في ذلك الى ما ميز أداء القصر من بطء و غموض، خاصة في ما يتعلق بوضع خارطة طريق المرحلة المقبلة، وتشكيل حكومة قادرة على مجابهة التحديات والصعوبات، العديدة والمركبة التي تعصف بالبلاد.
برغم أن الأوضاع في البلاد لا تحتمل لا التأجيل ولا التردد، الذي يفتح على التشكيك في الداخل، وعلى مزيد حيرة ثم تدخل الخارج، فان فترة شهر وأسبوع تبدو غير كافية للحكم على ما يخطط له القصر، خصوصا وأنه عرف على الرئيس سعيد أنه لا يستعجل ودائما ينتظر “اللحظة” لاطلاق صواريخه.
لكن الموقع و الدور اليوم قد تغيرا، وهذا ما يجب أن يدركه القصر جيدا، فهو بعد 25 جويلية من يتحمل لوحده مسؤولية الحكم، وبالتالي فانه وحده من سيدفع ضريبة حصول خيبة أمل، وهو ما يفرض عليه السرعة لا التسرع، لدعم شرعيته في الداخل، وطمأنة الخارج الذي هو شريك اساسي لبلادنا، خاصة وهي التي تمر بمحنة اقتصادية غير مسبوقة، لا يمكن أن تخرج منها دون دعم دولي ودون ضوء اخضر من المنظمات المالية الكبرى ( اساسا صندوق النقد الدولي).
وما دمنا في سياق الحديث عن الموقف الخارجي، سواء العربي ( تحديدا مصر ودول الخليج) و الاقليمي ( الجزائر خاصة) أو الدولي (العواصم الكبرى باريس ولندن و واشنطن …)، لابد أن نشير الى أن الرئيس سعيد حظي بتفهم يرتقي الى “القبول”، على الخطوة التي أقدم عليها.
على أن تأكيد ذلك وتحويله الى رضا دائم ومستمر، يبقى من مشمولات أداء “العهد الجديد”، خصوصا وأن هذه العواصم خاصة الكبرى منها، تراقب عن قرب ولها حساسية خاصة تجاه، ضرورة العودة الى المسار السياسي القانوني، واحترام الحريات، وهو ما اكد عليه بوضوح الوفد الأمريكي الهام الذي زار بلادنا مؤخرا والتقى بالرئيس سعيد وفريقه، وهنا نشير الى ان الرئيس التقط الرسالة التي راي فيها البعض ترتقي الى “ضغوطات”، ولعل هذا ما يفسر تأكيده في أكثر من مناسبة، على أنه يتحرك دائما تحت سقف الدستور، برغم الرأي المخالف لخصومه ومنتقديه.
للاشارة، فقد برز الحضور الخارجي القوي، خاصة في ظل تسارع الاشارات عن امكانية سقوط تونس في مرمى صراعات المحاور، وهي التي تحولت الى “مزار” لقادة الدبلوماسية العربية والاقليمية وكذلك الدولية، منذ اعلان قيس سعيد عن اسقاط منظومة الحكم التي “قادت” و “حكمت” البلاد منذ ثورة 14 جانفي2011.
بعد أكثر من شهر، نلاحظ أن الرئيس سعيد ما زال يعول بالأساس على السند الشعبي، الذي يقوم بالأساس على رفض لحصيلة منظومة الحكم (2011/2021)، التي كان صعوده للرئاسية قبل سنة ونصف من أبرز علامات ترهلها وفشلها السياسي والأخلاقي، وهي التي تميزت حقبتها بانهيار شامل في مختلف المجالات، وعطب في مسار الانتقال الديمقراطي، الذي تحول الى ديمقراطية “فاشلة وفاسدة”، وبلا حاضنة مجتمعية.
كما خلفت – العشرية – انقساما مجتمعيا، وتفكك وانحلال كبيرين في مؤسسات الدولة، ما فسح المجال واسعا للقبول الشعبي و “التفهم” الخارجي – كما سبق وأن ذكرنا – للإجراءات التي أعلن عنها الرئيس سعيد، والتي أنهت منظومة “ثورة 14 جانفي 2011″، وعمودها الفقري ممثلا في تيار الاسلام السياسي، الذي يتحمل المسؤولية الأكبر عما وصلت له البلاد، من أزمة معقدة وغير مسبوقة في تاريخها المعاصر، وهو الذي كان حاضرا وبقوة في كل الحكومات التي جاءت بعد الثورة، حتى وان خرج هذا التيار لفترة قصيرة من الحكم ( حكومة المهدي جمعة ) فانه “بقى في الحكم”، وفق تصريح شهير للغنوشي في تلك الفترة.
دخلت تونس مرحة جديدة، وواهم من يتصور أنه يمكن الرجوع للوراء، مثلما أكد ذلك الرئيس سعيد في أكثر من مناسبة، وهذا ما فهمه خصوم الرئيس قبل أنصاره والمتعاطفين معه، وما التقطه أيضا “الخارج” الذي يتعامل مع الوقائع كما هي ماثلة على الأرض و وفقا لمصالحه، وهنا ترجح – الأن ومرحليا – الكفة لفائدة الرئيس، وذاك بناء على ضوء موازين القوى الحالية، التي تميل لفائدة القصر، في ظل حالة تشتت ووهن الأحزاب السياسية، وتراجع دور المنظمات الكبرى، خاصة الاتحاد العام التونسي للشغل وبدرجة أقل اتحاد الصناعة والتجارة.
ولعل هذا “الحسم” الداخلي لفائدة الرئيس، كان وراء طبيعة التعاطي الدولي مع مجريات الشأن التونسي الحالي، الذي برزت ملامحه الأولى من خلال “الموقف السعودي، الذي عبر عن مساندة ودعم في كل المجالات، وهو موقف مهم ووازن بالنظر لمكانة وموقع المملكة في العالم العربي والاسلامي وفي العلاقات الدولية، فضلا على أن مساندة الرياض المتوقعة ستمكن – في حال حصولها – السلطات في تونس من “أكسيجان” هي في اشد الحاجة اليه، ونعني هنا طبعا لو ترجم هذا الدعم لفائدة الخزينة والاقتصاد التونسي، الذي يواجه استحقاقات صعبة، سيمثل التقليل من مخاطرها، بداية لتأمين الانتظارات التي وعد بها القصر الرئاسي.
برغم الدعم شعبي الذي يكاد يرتقي ل “التفويض”، مثلما اكدت ذلك نتائج سبر الآراء التي نشرت منذ ايام، والتي كشفت عن تنامي – كان متوقعا – لشعبية الرئيس سعيد، لكنها تبقى “شرعية” على رمال متحركة وبالتالي غير مضمونة ومرتبطة عضويا ب “شرعية الأداء والانجاز”، وهي التي ستواجه “اختبار” كبير، يتمثل في حجم “انتظارات” كبيرة، و”تخوفات” ايضا مهمة، وان كانت تخوفات مصدرها النخب السياسية، التي يبدو أن الرئيس لا يعطيها الكثير من الاهتمام، وهو الحالم بالتأسيس لمشروع سياسي يقوم على أنقاظ الأحزاب ( تلك “مغامرة” أخرى سنخصص لها مقال).
برز ت هذه البرودة مع المجتمعين السياسي (الأحزاب) و المدني (المنظمات الوطنية)، من خلال غياب الحوار والتشاور معها، وهو وضع لا يمكن أن يستمر، فلابد من تفهم مطالب “النخب” و “السياسيين” وخاصة “رجال الأعمال”، والعمل على طمأنتهم وطمأنة عالم المال والأعمال، و الخارج الذي ما زال لم يقدم تونس على صك أبيض لقيس سعيد، وكذلك لابد من طمأنة الادارة التي ساندته ايضا، عبر عدم المس من ثوابت النظام السياسي الذي قامت عليه دولة الاستقلال، لأن في ذلك تجنيب وقوع البلاد في مخاطر “المغامرة”، في أوضاع داخلية واقليمية ودولية، اقل ما يقال عنها أنها غير مستقرة.
Comments