قطر تتجاوز الحصار .. وتعود للبيت الخليجي من بوابة المونديال
منذر بالضيافي
زرت الدوحة، منذ خمسة سنوات، و صادفت زيارتي تلك مرور 4 اشهر على اعلان حصار خليجي/ مصري للامارة الصغيرة، وقد كانت لي زيارة قبل اعلان الحصار بشهرين للدوحة، ما سهل عندي المقارنة بين ما قبل و ما بعد الحصار.
خلال تلك الزيارة ، ومن خلال المشاهدة الميدانية، لاحظت ان الدوحة استطاعت امتصاص صدمة الحصار، وانها في طريقها لتجاوزه. كما اشرت الى انها ستخرج اكثر متعافية من الحصار، وهو ما أكدته الاحداث اليوم، ولعل اهمها احداثيات تنظيم مونديال كرة القدم مثير للجدل في الدوحة، تنظيم حرصت الامارة الغنية، على جعله استثنائيا عبر الكثير من ” الابهار”.
كما حرصت على جعله، مناسبة لتفعيل دبلوماسيتها الناعمة، التي برزت في حفل الافتتاح، من خلال حضور خصوم الأمس ولا اقول اعداء الأمس، في ملعب ” ستاد البيت”، و أبرزهم ولي العهد السعودي ابن سلمان والرئيس المصري السيسي، فضلا عن الحليف الاستراتيجي للأمير تميم الرئيس التركي اردوغان.
وكانت اللقاءات في فضاءات “ستاد البيت”، التي رتب لها جيدا امير قطر، استمرار للدور الديبلوماسي النشط للامارة، فضلا عن كونها اعلان عن غلق لقوس الخلاف الخليجي نهائيا، عبر التباوس بالخيشوم بين زعماء الخليج.
كما جرت العادات والأعراف في المنطقة، وخاصة بين ولي عهد السعودية، وامير قطر، مصالحة تأكدت مع حضور الامير تميم لقاء السعودية بالأرجنتين وتلحقه بعلم المملكة، وفي ذلك رد جميل للمملكة ولولي العهد الذي بادر في قمة العلا ( جانفي 2021 ) الى طي صفحة الخلافات، واعادة امارة قطر الى البيت الخليجي.
حيث تمكنت أطراف الأزمة الخليجية وبقيادة المملكة العربية السعودية من تجاوز خلافاتها وتحقيق المصالحة فيما بينها بقمة العلا السعودية، فخفضت حدة الاستقطاب في علاقاتها الخارجية، وجهزت نفسها للعب دور مؤثر في تعديل ميزان القوى المختل بالمنطقة.
قبل خمسة سنوات، بدأ الحديث عن الأزمة الخليجية وتداعياتها، دقائق فقط بعد دخولي طائرة “الخطوط القطرية”، المتجهة من تونس إلى الدوحة، فبعد أن تبادلنا السلام والتحية، أنا ومرافقي الذي شاءت الأرقام المرتبة في الطائرة أن يكون جليسي في الرحلة، وهو شاب تونسي يشتغل في اليابان، واعتاد السفر على متن “القطرية”، سألني إذا ما كانت هذه زيارتي الأولى لقطر، فأجبته بأنها الثانية لي في أقل من 6 أشهر، وأضفت قائلا: بأنني غادرت الدوحة – في زيارتي الأخيرة – وبعدها بشهرين اندلعت الأزمة بين الدوحة وجيرانها (السعودية والإمارات والبحرين ودولة مصر )، وهي وضعية مريحة ستمكنني من المقارنة بين ما قبل الأزمة وما بعدها.
لكن مرافقي، أراد أن يستبقني بالحديث عن الأوضاع الماثلة الآن، فأكد لي نقلا عن أصدقاء له مقيمين في الدوحة، بأنهم ومنذ إعلان الأزمة من قبل خصوم قطر (أجوارها )، بدأت تداعياتها النفسية ثم المادية تبرز، مضيفا أنه مع الأيام بدأ تأثير الأزمة يظهر، مشيرا هنا إلى الارتفاع الكبير في الأسعار، الذي عرفته جل البضائع وخاصة الاستهلاكية، وهو ما لامسته بأم عيني وأنا أتجول في المحلات والفضاءات التجارية الكبرى خاصة، التي عوضت فيها البضاعة التركية البضاعة السعودية، إلى درجة أنه خيل لي أنني في “مول” باسطنبول.
تحركت السلطات القطرية بسرعة، وكأنها كانت تترقب ما حصل ومستعدة له، تحركت ووفرت البضائع الضرورية وحتى الكماليات، فقد تساقطت السلع والمعونات على الدوحة من كل حدب وصوب، كما استمرت كل المشاريع الكبرى في الانجاز، خاصة التي هي في علاقة بكأس العالم 2022 لتبدوا الدوحة كما لو أنها ورشة أو حضيرة عمل كبيرة، وفق ما تبين لي من ملاحظة ومشاهدة مباشرة ودون مرافقين رسميين.
كل هذا سمح بتجاوز “الصدمة” التي خلفها قرار دول “الحصار” (وفق قطر) أو “المقاطعة” (وفق السعودية والإمارات)، لكن بأعين المراقب والشاهد فان ما حصل يرتقي لمرتبة “الحصار” الذي ربما كان يراد منه الإرباك كمقدمة للاخضاع، وهذا ما لم يحصل والأزمة تدخل شهرها الخامس، بل العكس الذي حصل هو صمود الامارة الصغيرة.
كما انتقلت الدوحة حينها من طور امتصاص الصدمة الى “المواجهة” مستعينة في ذلك بسلاح الردع الناعم ونعني بذلك طبعا “شبكة الجزيرة” ، التي كسبت الرهان وتحولت الى منصة للهجوم على السعودية والامارات ولم يستطع الاعلام المقابل – برغم الامكانيات الكبيرة – التفوق عليها، نظرا لقوة الاعداد والمهنية لدي الاعلام القطري الذي كسب الجولة لكنه خسر المصداقية مثله مثل الاعلام السعودي والاماراتي وأيضا المصري بطبيعة الحال.
في المحصلة، تمكنت الدوحة من تجاوز “الصدمة”، سواء أكانت النفسية والمجتمعية أوكذلك السياسية والدبلوماسية، لتنتقل إلى وضعية شبيهة في الواقع ب “الهجوم” وإحراج الخصم وحتى المزايدة عليه.
على الأرض، وكشاهد عيان تبين لي بوضوح بأن قطر قد استطاعت تجاوز “الصدمة”، وقد صدقتني الأشهر بل و السنوات التي تلت الأزمة، التي كشفت الأشهر عن قدرة “فائقة” قطر على “التصرف في إدارة الأزمة”، ما جعل الأوضاع ترجح الكفة لصالحهم، موظفة في ذلك كل ما يسمى بعناصر قوتها الناعمة في الإعلام والدبلوماسية والعلاقات العامة…
وهو ما يشير الى أن دول المحور المعارض لقطر قد بالغت في الثقة بقدراتها والتهوين من قدرات قطر المتمثلة في قوة اعلامها و روابطها وشبكة علاقاتها الدولية، مع الفاعلين من المؤثرين على صناع القرار في أمريكا وأوروبا ، وبالتالي نرصد أن دول المقاطعة أساءت تقدير القوة القطرية ، التي وفقت بفضل استثماراتها الممتدة، وفائض ضخم مالي مكنها من الصمود، وها هي تصل لكسب رهان تنظيم مونديال كرة القدم، وهو خير دليل على قدرة الدوحة على تجاوز أزمة الحصار والعودة من بعيد.
Comments