الجديد

قمة بن سلمان – بايدن .. المملكة لاعب دولي

 تونس- التونسيون

تعرف منطقة الخليج خلال العقود الأخيرة حضورا متميّزا على المستوى السياسي والاقتصادي الإقليمي والعالمي، بحيث أصبحت دول المنطقة لاعبا رئيسيا في النّظام العالمي الجديد وفي الخيـــارات العالمية عامّة و الخيارات الشرق أوسطية، وكذلك على مستوى ما حقّقته هذه البلدان – رغم ما يوجّـــه إليها من انتقادات سياسية مرتبطة بأنظمة حكمها و رفضها للخيارات الدّيمقراطيّة على الشّاكلة الغربية- مـــن نموّ اقتصادي وعمرانيّ و ازدهار اجتماعي وتعليمي جعلها تتصدّر المراتب الأولى عالميا وعربيا .

كما نــرى ذلك في قطر والإمارات والسّعودية والكويت وعمان في حين تدحرجت البلدان العربية والمغــاربيّة الّتي لهجت طويلا بالدّيمقراطية والحريّات والعدالة إلى المراتب الأخيرة عالميا وأصبحت اليوم عناوين كبرى لاستشراء الفساد و انهيار منظومات الصحّة والتّعليم و الاقتصاد. ويبقى السّؤال الذي يمكن أن نستعــيده في غير سياقه كما طرحه هشام شرابي: لماذا أقلعت دول الخليج ولماذا تأخرت بقية الدّول العربيّة اّلأخرى؟

 

المملكة .. لاعب دولي

 

دعونا نقرّ منذ البداية أنّ السياسة حصيلة إنجازات وتحقيق للرّفاه وإنجـــازات وتنفيذ لخيـــارات وطنية لخدمة الأجيال القادمة وليست السياسة مناكفات وخطبا حول الحريّات والدّيمقراطية وتـــرديدا لمقــولات أيديولوجية ربّما عفا عنها الزّمن وانتفت مقوّماتها الفكرية.

فليست كلّ الأنظمة الدّيمــــقراطية ناجحة في العالم ولا خيرا كلّها كما ليست كلّ أنظمة الحكم الملكية والأميرية والفردية شرّا كلّها. وبهـــذا أثبتت دول الخليج الكبرى منها والصّغرى نجاح قادتها في حسن تدبير شؤونها وترسيخ مقوّمات الحكم الرّشيد ممّا جعلها اليوم تتحكّم في موازين الصّراع العالمي، ولها كلمتها في القضايا العالمية والإقليمية، وتبرز هنا خاصة المملكة العربية السعودية، دور تأكد مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

في زيارة بايدن الشرق أوسطية الّتي بدأها بدولة الكيان الغاصب لينتقل بعدها إلى المملكة العربية السّعودية، وبعد حديث أغلب الصّحف عن القضايا المطروحة على طاولة هذه الزّيارة الّتي لا تكاد تخرج عن مسار الديبلوماسية الأمريكية منذ عقود وهي حماية أمن إسرائيل ورعاية المصالح الأمريكية السياسية والاقتصادية وتدعيمها مع محور دول الخليج، إضافة إلى القضايا الناشئة المتعلّقة بالتصدّي للمارد الإيراني وتسلّـــحه بالأسلحة الذريّة.

 

أمريكا تعود الى الشرق الأوسط من بوابة المملكة

 

فقد صرّح الرئيس الأمريكي بعد جلسة يوم 15 جويلية الجاري مع الملك سلمان ثمّ جلسة العمل بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمــــــان بنجـاح زيارته وما تمخّضت عنه من اتّفاقيات اقتصادية وأمنية وترسيخ للشّراكة بين محور دول الخليج وبين الولايات المتحدّة في إطار التغيّرات العالمية الجديدة أو ما عبّر عنه “بايدن” بالنّظام العالمي الجديد الآخذ في التشكّل بسبب الحرب الرّوسية الأوكرانية.  يجعل من محور دول الخليج من جهة ثمّ من المملكة العربيّة السّعودية بقيادة رجل الدّولة الأمير محمد بن سلمان لاعبا رئيسيا في التّوازنات العالمية الجديدة يحسب له ألف حساب.

ولئن توقفت العديد من وسائل الإعلام عند التّرويج لموقف الرّئيس الأمريكي من سياسة المملكة تجاه حقــوق الإنسان والمعارضة فإنّ حقائق الزيارة وبرامجها تؤكّد أنّ ما تناقلته وسائل الإعلام العربية هو مجرّد خطاب للتّسويق الإعلامي والحملة الانتخابية القادمة بالنّسبة للرئيس الأمريكي، وهو من جهة ثانية عملية نفخ في رماد من قبل بعض وسائل الإعلام المناوئة للملكة ولولي العهد.

إذ تكشف زيارة الرّئيس الأمريكي للملكة واجتماعه يوم السبت السادس عشر من يوليو بقادة دول الخليج ودول عربية عن تركيز الاهتمام على القضايا الدّولية الحارقة المرتبطة بالوضع العالمي وأزمة الطّاقة والأمن بسبب الحرب الروسية. وهو ما يكشف في الوجه الآخر للّقاء أنّ الرئيس الأمريكي نزل إلى الرياض يستنجد بالأمير الشّاب حتّى يفكّ عن الولايات المتّحدة والدّول الأوروبية قيود أزمة الطّاقة التي فرضتها روسيا، وقد تجسّد ذلك في دعوة ولي العهد إلى مزيد ضخّ إنتاج الطّاقة وخفض سعر جالون البنزين وتخفيف وطأة الأزمة العالمية الّتي باتت تعصف بالعالم. وهو ما يجعل القيادة السعودية في موقع القوّة ويؤكّد دورها في لعبة التّوازنات العالمية.

كما لا يخفى أنّ ما جاء في البيان الختامي للقاء من تأكيد على الشّراكة الاقتصادية والأمنية بين البلدين، وبحث تمديد الهدنة في الحرب اليمنية والتصدّي للتّهديد الإيرانيّ التزام رئيس الولايات المتّحدّة بالعمل على حلّ الأزمة الفلسطينية في إطار الشرعية الدّولية وحلّ الدّولتين والتّعهد بتقديم مساعدات لمنظمة الأونروا هو تأكيد على التزام المملكة وولي العهد بالموقف العربي المناصر لشرعية الحقّ الفلسطيني عكس ما يتمّ التّرويج له، لأنّ هذا الموقف هو ثابت تاريخي بالنّسبة إلى المملكة.

مثلما بيّن الأمير الشّاب قدرة فائقة على ترويض القوّة العظمى وحسن استغلال المرحلة العالمية الصّعبة النّاتجة عن الحرب الرّوسية الأوكرانية والصّراع الأمريكي الصيني على أن تكون المملكة لاعبا هامّا في النّظام العالمي الجديد خدمة لمصلحة المملكة، وقد تجسّدت هذه السياسة الحكيمة في إعلانه اليوم على فتح المجال الجويّ السّعودي أمام حركة الطيران الاقتصادية والتّجاريّة، ممّا يحوّل المملكة إلى منصّة للنّقل الجويّ وممرّا تجاريا يدعم اقتصادها.

رهان الأمير الشاب .. اللعب على التوازنات الدولية

 

خلاصة ما نريد أن يفقهه القادة العرب أنّ الوجه الآخر للزيارة الأخيرة للرّئيس الأمريكي للمملكة العربية السعودية تكشف بجلاء نجاح الأمير الشّاب في تحويل بلاده إلى شـــــــــــريك عالمي ولاعب رئــيس في الموازنات الدّولية، إذ تحافظ المملكة في الوقت نفسه على علاقاتها بروسيا والصين وتتّبع سياسة حكــيمة براغماتية تراعي مصالحها. وتمكّن هذه العلاقات الجديدة ولي العهد من تحــــــــــويل المملكة إلى دولــة عصرية متقدمة، لا تعوّل على اقتصاد الطّاقة فحسب بل هي تدخل اليوم مــــــــرحلة الاقتصادات البديلة والاقتصاد الأخضر والمشاريع الصناعية والخدماتية والمالية، وتسير بخطى ثابتة نحو استثمارات عالمية قوية في كلّ من الصين والولايات المتحدة وبقية بلدان العالم، وهو ما يمثّل مزيدا من تدعيم ثروات البلاد وفتح أبواب الشّغل أمام الشباب وتغيير وجه الحياة الاجتماعية.

هذا الوجه الآخر الذي لا يراه إعلامنا درس للسّاسة العرب وإيقاظ لهم من غفلتهم حتّى يـــــــــــدركوا أنّ السياسة نتائج وأرقام ونجاحات وافتكاك مكان في القرار العالمي.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP