قيس سعيد .. أنا “فقط” الرئيس !
المهدي عبد الجواد
لم يضيع الرئيس قيس سعيد فرصة المبادرة الرئاسية التي عادت اليه بعد فشل حزب النهضة الفائز في الانتخابات في تشكيل حكومة، ليحول الرجل هذه المبادرة الدستورية الى ريادة سياسية، و يطرح نفسه لاعبا رئيسيا في الساحة السياسية التونسية المنقسمة على نفسها و المضطربة.
الرئيس الثوري
لم يعرف لقيس سعيد قبل الثورة، نشاط يذكر، في عوالم النضال السياسي و الحقوقي، و لكنه اشتهر مباشرة بعد الثورة، باختياره منهجا “فريدا و طريفا” خالف فيه الفقهاء الدستوريين الكبار، و اكتفى برحلة تواصلية مباشرة مع المواطنين و الشباب الغاضب الرافض لكل الانساق، شباب اكتشف بدوره الثورة بعد انتهائها.
بطريقته “الميكانيكية” في الكلام، نحت قيس سعيد طابعا صار به مشهورا، و زادت طباعه ك “عالم” زاهد في متاع الدنيا و غنائم السلطة، في شعبيته حتى وصل إلى رئاسة الجمهورية، في غفلة من الجميع.
و انتظر في الرئاسة ثلاثة اشهر فقط ليعيد إليه الخصوم السياسيين المبادرة السياسية، حيث فشلت حكومة الحبيب الجملي، التي تزعمتها “النهضة”.
منذ عادت اليه المبادرة عمد سعيد الى تجاهل الأحزاب التي أكد الدستور ضرورة التشاور معها، و اكتفى بتوجيه مراسلات لها، شبيهة بأوراق الامتحان، عملية تكشف رفض الرئيس التعامل مع الأحزاب و مع قياداتها، ترسيخا لصورته كرجل نزيه مقابل رجال سياسة فاسدين، فضلا عن كونه كشف عن رفضه لمنظومة الأحزاب وأن له بديل سياسي سيقوم على أنقاضها.
اختار سعيد، الياس الفخفاخ، الذي اكتشف بدوره الثورة و السياسة بعد الثورة، و في خضم “النفحة الوطنية” بالسياسة، سرعان ما قرر الفخفاخ، تشكيل “حكومة ثورية”، جمعت للأسف كل من لم يشارك فيها.
الرئيس الاستاذ
سرعان ما أوشك الشهر الذي منحه الدستور للرئيس المكلف على الانتهاء، و صار الحديث على الفقرة الثانية من الفصل 89 المتعلق بحل البرلمان علنيا، و كثرت الفتاوى و اختلف المفسرون.
لحظة التقطها قيس سعيد الذي استحضر صورته كأستاذ للقانون في الجامعة، فأحضر كل من راشد الغنوشي و يوسف الشاهد، ليقدم لهما تأويله للنص، مؤكدا استحواذه الحصري على حق التأويل الدستوري لغياب المحكمة الدستورية.
خطوة لا تتناسب مع طبيعة النظام الديمقراطي و قيمه، و لا مع “تقاليد التأويل” التي تفترض التوافق و توسيع الدائرة التشاركية، فلا أحد يحتكر قراءة النصوص، و من يعتقد أنه يمتلك وحده هذا الحق، إنما يفتح شاء أم ابى، بعلم او دون علم ابواب الاستبداد.
ان احتمال التأويل هو المدخل الذي كرس طيلة التاريخ الاسلامي، الاستبداد و القهر و الفتنة و القتل.
الرئيس .. الأوحد
يبدو أن القطيعة مع الأحزاب و النخب، ثم الاستبداد بالتفسير، لم تكف الرئيس ليؤكد حقيقة مشروعه “الفرداني” إذ أكد امام الشاشات و علنا، أنه الرئيس الأوحد في تونس. متجاوزا نصوص الدستور و تنظيم السلطات، و متجاهلا كل الأعراف السياسية حتى المقارن منها.
إذ أن السلطة التنفيذية رئيسان و التشريعية رئيس ناهيك على رؤساء السلطة القضائية، لذلك فان محاولة قيس سعيد “تحجيم” دور رئيسي السلطتين التنفيذية و التشريعية، غير لائق سياسيا و أخلاقيا، ناهيك على كونه مخالفة صريحة للدستور الذي يفترض أنه يحميه.
لقد جاء هذا التصريح في سياق تأكيد على “نهاية تفتيت السلطات” و كأنا به يروم احتكار رئاستها، وبالتالي العودة الى النظام الرئاسي بل الرئاسوي.
ثلاث علامات مهمة، بسيطة و لكنها مؤذنة ببعض مقدمات مشروع قيس سعيد، مشروع قطيعة مع النخب، و احتكار التكلم باسم الثورة، و احتكار تأويل الدستور و احتكار الرئاسة و السلطان.
انها مشروع تتوفر فيه كل مقومات التخوفات من أسس “النظام الاستبدادي”، لعل في هذا التوصيف قسوة أو استباق أو مبالغة، و لكن “الكلام فضاح النوايا”، و ما علينا الا المراقبة و الانتظار، والأهم اليقضة.
Comments